فسألته وأنا أكظم غيظي: ولم تملك عشرة على حين لا يملك ملايين من الفلاحين قيراطا واحدا؟ ••• - مهما تقل فلن أصدق كلمة واحدة مما تقول، إن رفض مرفت لك أطاح بعقلك، ولا تصدق ما يقال عن العدالة والاشتراكية، المسألة تتلخص في كلمة واحدة: القوة، إن من يملك القوة يملك كل شيء، ولا بأس بعد ذلك من أن يتغنى أمام الناس بالعدالة والاشتراكية، وإلا فخبرني بالله، هل رأيت أحدا منهم يسير في الأسواق شبه جائع مثل سيدنا عمر؟! •••
على أي حال سرعان ما بلغني الخبر اللذيذ عن القتال بين محمود أبو العباس وسرحان البحيري يا بصل! وتجاهلت الأمر احتراما لصمته، بل انتهزت فرصة اجتماعي به في مدخل البنسيون فسألته الرأي عن المشروع، وإذا به يقول لي في اهتمام: اصرف النظر عن مشروع المقهى وما شاكل ذلك، إنك ابن ناس، وعليك أن تختار مشروعا مناسبا. - مثل ماذا؟ - أنا أقول لك، مشروع تربية دواجن وعجول مثلا، إنه يدر ذهبا.
ثم بعد تفكير قليل: ممكن أن نؤجر قطعة أرض في منطقة سموحة، وممكن أن أساعدك بما لي خبرة وأصدقاء وربما شاركتك إذا ما أسعفتني الظروف. •••
ما أضيق الإسكندرية في عيني سيارة مجنونة! إني أمرق فيها كالهواء، ولكنها انقلبت علبة سردين، الليل يتبع النهار في إصرار غبي ولكن لا شيء يحدث على الإطلاق. ورغم أن السماء تتزين كل يوم برداء. والطقس كالبهلوان لا يمكن التنبؤ بحركته التالية، والنساء يقبلن في ألوان لا حصر لها، فلا شيء يحدث على الإطلاق. الكون في الحقيقة قد مات وما هذه الحركات إلا الانتفاضات الأخيرة التي تند عن الجثة قبل السكون الأبدي.
وتذكرت الجنفواز.
إنه يقع على الكورنيش متحديا البحر والشتاء ولكن بابه يقع في شارع خلفي ضيق. له مسرح للغناء والرقص، وتتوسطه باحة للرقص المشترك، وينتشر اللون الأحمر الكابي في السقف والجدران والمصابيح كأنه مأوى للجان، ومن نظرة إلى فتياته وزبائنه يتسرب إلى النفس إحساس محتوم بأنه ماخور.
رأيت فتاة البحيري ترقص رقصة فولكلورية مبتذلة. دعوتها إلى مائدتي فلم تعرفني بادئ الأمر ثم اعتذرت بحالها يوم التعارف. وسرعان ما قالت إنها انتظرت مقدمي طويلا فاعتذرت بضيق الوقت وكثرة المشاغل. عرفت أن اسمها صفية بركات والله أعلم باسمها الحقيقي. وهي أجمل من المدرسة ولكن يعيبها ميل إلى البدانة، وتستقر في وجهها المليء نظرة محترفة. شربت كثيرا حتى أوشكت أن أفقد الوعي ثم دعوتها إلى سيارتي ومضيت بها إلى شارع الليدو بالأزاريطة، ولما هممت بمصاحبتها اعتذرت بعذر قهري فرجعت إلى البنسيون وأنا من السكر وسوء المآل في حال.
التقيت وأنا ذاهب إلى حجرتي بزهرة وهي راجعة من الحمام في قميص النوم. اعترضت سبيلها مفتوح الذراعين. توقفت متوثبة. اقتربت منها فقالت بحزم: ابعد.
أشرت بإصبعي إلى حجرتي فقالت متوعدة: ابعد واذهب لحالك.
انقضضت عليها بالرغبة والسكر فضربتني بقبضتها في صدري ضربة مذهلة أشعلتني بالغضب. جن جنوني فلطمتها بوحشية. وصممت على الانقضاض حتى النهاية ولكن يدا وضعت على كتفي وجاءني صوت سرحان اللاهث وهو يقول: حسني .. أجننت؟
صفحه نامشخص