نظرت إلي لأول مرة. شكرتني بعجلة، ثم نزلنا معا، جلست في السيارة إلى جانبي فسألتها عن المكان الذي تود الذهاب إليه فتمتمت بصوت مبحوح: الأزاريطة.
سرنا تحت سماء ملبدة بالغيوم وقد عاجلنا الظلام قبل أوانه. قلت مستدرجا: لعنة الله على الغضب.
فهتفت: السافل الحقير! - يبدو أنه فلاح طيب. - سافل حقير.
تساءلت بسخرية خفية: خطيبك؟
لكنها لم تجب. ما زالت مشتعلة. وهي امرأة لا بأس بها، ومحترفة بطريقة ما على وجه اليقين. أوقفت السيارة أمام عمارة بشارع الليدو فقالت وهي تفتح الباب: أشكرك، إنك رجل كريم. - لا أريد أن أتركك وحدك لأطمئن عليك. - أشكرك، إني على خير حال. - إذن فهو الوداع؟
مدت يدا لتصافحني ثم قالت: إني أشتغل في الجنفواز.
درت بالسيارة وأنا متحمس لمعرفة مزيد من المعلومات، بيد أن تحمسي فتر قبل أن أبلغ العمارة. الأمر واضح وتافه. عشق وهجر ثم معركة تقليدية. وها هو يلقى زهرة فيبدأ حكاية جديدة. والمرأة لا بأس بها وقد أحتاج إليها ذات ليلة. ولكن ما الذي دفعني إلى تكبد مشاق هذه الرحلة السخيفة؟
فريكيكو .. لا تلمني. •••
السيارة تطير فوق أرض الشوارع السنجابية، المصابيح وأشجار الكافور تركض في الاتجاه المضاد. السرعة الانسيابية تنعش القلب فتنفض عنه الخمول والملال. ويزمر الهواء ويرعش الأغصان فتتشتت في انتشارات جنونية. أو ينهمر المطر فيغسل الزرع فتضيء الحقول بخضرة متألقة. من قايتباي إلى أبي قير، من بحري حتى السيوف، البطن والأطراف، وكل أرض ممهدة أهيم فوقها بسيارتي.
والوقت يمر ولا خطوة جدية أخطوها لتحقيق المشروع.
صفحه نامشخص