فاعترضت ساخرة: لكنه ليس أقوى من المشاكل!
تبادلنا نظرات صامتة. أنا محموم يائس وهي عنيدة غاضبة. ولولا قوة إرادتي، أو لولا خوفي لانهرت تماما. وفكرت بسرعة أشد من البرق ثم قلت: زهرة، توجد طرق وسطى، مثل الزواج الإسلامي الأصلي.
حل التساؤل في عينيها محل الغضب، فقلت وأنا لا أعرف عن الموضوع أكثر من ذكريات غامضة: نتزوج كما كان يتزوج المسلمون الأوائل. - كيف كانوا يتزوجون؟ - أعلن بيني وبينك أنني أقبلك زوجة على سنة الله ورسوله. - بلا شهود؟ - أمام الله وحده!
فقالت محتجة في استياء: جميع من حولنا يتصرفون وكأنهم لا يؤمنون بأن الله موجود!
ثم هزت رأسها وقالت بإصرار: لا! •••
هي عنيدة كالصلب. ليست رحلة سهلة كما حلمت. ويئست من إقناعها تماما. إني على استعداد - إذا وافقت - أن أعاشرها إلى الأبد مضحيا بالزواج وآمالي المعقودة عليه. وفكرت أن أهجر البنسيون كخطوة أولى للنسيان، ولكن حبها بقي عنيدا - مثلها - ومتشبثا بقلبي. ولم تقع بيننا جفوة. كانت تجيئني بالشاي في وقته ولا تصدني إذا قبلتها أو ضممتها إلى صدري. وقد أذهلني أن أراها - في المدخل - مكبة على كتاب المطالعة لتلاميذ السنة الأولى الابتدائية. ثبتت عيناي عليها غير مصدقتين. وكانت المدام جالسة تحت العذراء كما كان عامر وجدي مستسلما للفوتيل، فقالت لي المدام باسمة: انظر إلى التلميذة يا مسيو سرحان.
وألقت عليها نظرة تشجيع وهي تقول: اتفقت مع جارتنا المدرسة .. ما رأيك؟
إنه لحدث. أوشكت لحظة على الضحك ولكن سرعان ما أخذت به فقلت بحماس: برافو! .. برافو زهرة!
وكان العجوز يرمقني بعينيه الغائمتين فداخلني منه خوف لا أدريه فغادرت البنسيون. بلغ بي التأثر مبلغا هز أعماقي. وصوت باطني قال لي إنني إذا استهنت بحب الفتاة فإن الله لن يبارك لي قط. ولكنني لم أهادن فكرة الزواج المرعبة. الحب عاطفة يمكن معالجتها على نحو أو آخر. أما الزواج فهو مؤسسة، شركة كالشركة التي أعمل وكيلا لحساباتها، له لوائح ومؤهلات وإجراءات. إذا لم يرفعني من ناحية الأسرة درجة فما جدواه؟ إذا لم تكن العروس موظفة على الأقل فكيف أفتح بيتا جديدا يستحق هذا الاسم في زماننا المتوحش العسير؟! أما مرجع تعاستي فهو أنني أحب فتاة غير مستوفية لشروط الزواج. ولو قبلت حبي بلا قيد لضحيت في سبيلها بالزواج الذي أحن إليه منذ البلوغ. - همتك عالية يا زهرة!
قلت لها ذلك وأنا أرمقها بإعجاب، ثم قلت بأسف: ولكنك ترهقين نفسك وتبددين أجرك.
صفحه نامشخص