49

Minhat al-Mun'im fi Sharh Sahih Muslim

منة المنعم في شرح صحيح مسلم

ناشر

دار السلام للنشر والتوزيع

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م

محل انتشار

الرياض - المملكة العربية السعودية

ژانرها

بَابُ صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِالْحَدِيثِ الْمُعَنْعَنِ
وَهَذَا الْقَوْلُ يَرْحَمُكَ اللهُ فِي الطَّعْنِ فِي الْأَسَانِيدِ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ مُسْتَحْدَثٌ غَيْرُ مَسْبُوقٍ صَاحِبُهُ إِلَيْهِ، وَلَا مُسَاعِدَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ الشَّائِعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ ثِقَةٍ رَوَى عَنْ مِثْلِهِ حَدِيثًا، وَجَائِزٌ مُمْكِنٌ لَهُ لِقَاؤُهُ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ، لِكَوْنِهِمَا جَمِيعًا كَانَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا، وَلَا تَشَافَهَا بِكَلَامٍ فَالرِّوَايَةُ ثَابِتَةٌ، وَالْحُجَّةُ بِهَا لَازِمَةٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا الرَّاوِيَ لَمْ يَلْقَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَمَّا وَالْأَمْرُ مُبْهَمٌ عَلَى الْإِمْكَانِ الَّذِي فَسَّرْنَا، فَالرِّوَايَةُ عَلَى السَّمَاعِ أَبَدًا، حَتَّى تَكُونَ الدَّلَالَةُ الَّتِي بَيَّنَّا (١)، فَيُقَالُ لِمُخْتَرِعِ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي وَصَفْنَا مَقَالَتَهُ، أَوْ لِلذَّابِّ َنْهُ: قَدْ أَعْطَيْتَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِكَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ عَنِ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ حُجَّةٌ يَلْزَمُ بِهِ الْعَمَلُ، ثُمَّ أَدْخَلْتَ فِيهِ الشَّرْطَ بَعْدُ، فَقُلْتَ: حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُمَا قَدْ كَانَا الْتَقَيَا مَرَّةً فَصَاعِدًا، أَوْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا، فَهَلْ تَجِدُ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِي اشْتَرَطْتَهُ عَنْ أَحَدٍ يَلْزَمُ قَوْلُهُ؟ وَإِلَّا فَهَلُمَّ دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمْتَ، فَإِنِ ادَّعَى قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ بِمَا زَعَمَ مِنْ إِدْخَالِ الشَّرِيطَةِ فِي تَثْبِيتِ الْخَبَرِ طُولِبَ بِهِ، وَلَنْ يَجِدَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ إِلَى إِيجَادِهِ سَبِيلًا،
وَإِنْ هُوَ ادَّعَى فِيمَا زَعَمَ دَلِيلًا يَحْتَجُّ بِهِ قِيلَ لَهُ: وَمَا ذَاكَ الدَّلِيلُ؟ فَإِنْ قَالَ: قُلْتُهُ لِأَنِّي وَجَدْتُ رُوَاةَ الْأَخْبَارِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَرْوِي أَحَدُهُمْ عَنِ الْآخَرِ الْحَدِيثَ وَلَمَّا يُعَايِنْهُ، وَلَا سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمُ اسْتَجَازُوا رِوَايَةَ الْحَدِيثِ بَيْنَهُمْ هَكَذَا عَلَى الْإِرْسَالِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ، وَالْمُرْسَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، احْتَجْتُ لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْعِلَّةِ إِلَى الْبَحْثِ عَنْ سَمَاعِ رَاوِي كُلِّ خَبَرٍ عَنْ رَاوِيهِ، فَإِذَا أَنَا هَجَمْتُ (٢) عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ لِأَدْنَى شَيْءٍ ثَبَتَ عِنْدِي بِذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَرْوِي عَنْهُ بَعْدُ، فَإِنْ عَزَبَ عَنِّي (٣) مَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ (٤)، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَوْضِعَ حُجَّةٍ لِإِمْكَانِ الْإِرْسَالِ فِيهِ (٥).

(١) قال النووي: وهذا الذي صار إليه مسلم - أي وذكره بالقول الشائع المتفق عليه - قد أنكره المحققون وقالوا: هذا الذي صار إليه ضعيف، والذي رده هو المختار الصحيح الذي عليه أئمة هذا الفن علي بن المديني والبخاري وغيرهما.
(٢) (هجمت) أي وقفت واطلعت.
(٣) (عزب عني) أي بَعُد وغاب عني، يقال: عزب الشيء يعزُب ويَعزِب بضم الزاي وكسرها، والضم أكثر: بَعُد وغاب.
(٤) (أوقفت الخبر) أي توقفت فيه فلا أقبله ولا أرده.
(٥) قال النووي: ودليل هذا المذهب المختار الذي ذهب إليه ابن المديني والبخاري وموافقوهما أن المعنعن عند ثبوت التلاقي إنما حمل على الاتصال، لأن الظاهر ممن ليس بمدلس أنه لا يطلق ذلك إلا على السماع، ثم =

1 / 51