وأصل هذا: أنهم لا يفرقون بين حق الله وحق عباده، ولا تمييز عندهم في ذلك، بل يرون استحقاقهم كثيرًا من العبادات المختصة بالله، وهذا يشبه غلو النصارى في المسيح وغيره. وقد قالوا لمن أنكر عليهم عبادة المسيح: قد تنقصت المسيح، وقلت فيه قولًا عظيمًا، كما قال عمرو بن العاص وأصحابه للنجاشي لما قدموا عليه بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة، وسألوه أن يخلي بينهم وبين المهاجرين وعنده جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وأبى النجاشي ذلك فقال عمرو: إنهم يقولون في المسيح قولًا عظيمًا - يعني يقولون: هو عبد الله ليس بإله، فأرسل النجاشي لجعفر وأصحابه وسألهم عن ذلك، فقالوا فيه ما قاله الله تعالى، وتلا جعفر صدر سورة الروم، حتى على ذكر المسيح وشأنه فقال النجاشي: والله ما زاد المسيح على هذا.
وبالجملة فمن عرف ما جاءت به الرسل من وجوب توحيد الله وإفراده بالعبادة، عرف وتبين له أن المنع من دعائهم وقصدهم من دون الله في الحاجات والملمات، هو عين تعظيمهم وتوقيرهم وتعزيرهم والإيمان بهم وتصديقهم، وقبول ما جاءوا به، ومنابذة أعدائهم وأضدادهم من المشركين على اختلاف أجناسهم وتباين مللهم. فإن أصل النزاع بينهم وبين أعدائهم في إخلاص عبادة الله وحده، والبراءة من عبادة ما سواه. ولا يحصل ولا يتصور الإيمان بهم إلا باعتقاد هذا وموافقتهم عليه. وأما مخالفتهم فيه ومعصيتهم فهي عين التنقيص لهم والاستخفاف بهم ومت عرف هذا عرف أن الشيخ وإخوانه المؤمنين من عهد رسول الله ﷺ إلى قيام الساعة هم المعظّمون للرسل الموقرون لهم العارفون بحقوقهم، القائمون بما يجب لله ورسوله وما يجب لعباده الله من الحقوق لا أهل الشرك بهم والمعصية لهم، ونبذ أوامرهم، وترك ما جاءوا به وهجره وعزله عن الحكم به، وتقديم منطق اليونان في باب معرفة الله وصفاته، وتقديم آراء الرجال وحدسهم على النصوص والأحاديث الصريحة، وتقديم غلو النصارى ورأيهم في عبادة الأحبار والرهبان على ما جاءوا به من تجريد التوحيدن وإخلاص الدين لله،
1 / 29