منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس
منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس
ناشر
دار الهداية للطبع والنشر والترجمة
ژانرها
عقاید و مذاهب
الإيمان وزمانه، ومن هذا أني أعرف رجالا يستغيثون ببعض الأحياء في شدائد تنزل بهم فيفرج عنهم، وربما عاينوا أمورًا. وذلك الحي المستغاث به لم يشعر بذلك، ولا علم له به ألبتة وفيهم من يدعو على أقوام أو يتوجه في إيذائهم فيرى بعض الأحياء أو بعض الأموات يحول بينه وبين إيذاء أولئك، وربما رآه ضاربًا له بسيف وإن كان الحائل لا شعور له بذلك، وإنما ذلك من فعل الله ﷾؛ بسبب يكون بين المقصود وبين الرجل الدافع من اتباع له وطاعة فيما يأمره من طاعة الله ﷿ ونحو ذلك فهذا قريب.
وقد يجري لعبّاد الأصنام أحيانًا من هذا الجنس المحرم محنة من الله ﷿ بما يفعله الشياطين لأعوانهم فإذا كان الأثر قد يحصل عقب دعاء من يتيقنا أنه لم يسمع الدعاء، فكيف يتوهم أنه هو الذي تسبب في ذلك؟ أو أن له فيه فعلًا؟ وإذا قيل: إن الله يفعله بذلك السبب، فإذا كان ذلك السبب محرمًا لم يجز كالأمراض التي يحدثها الله ﷿ عقب أكل السموم، وقد يكون الدّعاء المحرم في نفسه دعاء لغير الله أن يدعو الله، كما تقول النصارى: يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله، وقد يكون دعاء لله لكنه توسل إليه بما لا يحب أن يتوسل به إليه، كما يفعل المشركون الذين يتوسلون إلى الله ﷿ بأوثانهم، وقد يكون دعاء لله ﷿ بكلمات لا تصلح أن يناجي بها الله ﷿ ويدعي بها، لما في ذلك من الاعتداء.
فهذه الأدعية ونحوها، وإن كان قد يحصل لصاحبها أحيانا غرضه لكنها محرمة لما فيها من الفساد الذي يربو على منفعتها كما تقدم؛ ولهذا كانت هذه فتنة في حق من لم يهده الله ﷿ وينور قلبه، ويفرق بين أمر التكوين وأمر التشريع، ويفرق بين القدر والشرع، ويعلم أن الأقسام ثلاثة:
أمور قدرها الله ﷿، وهو لا يحبها ولا يرضاها فإن الأسباب المحصلة بهذه الأمور تكون محرمة موجبة لعقابه.
وأمور شرعها فهو يحبها من العبد ويرضاها، ولكن لم يعنه على حصولها، فهذه محمودة عنده مرضية وإن لم توجد.
والقسم الثالث: أن يعين الله العبد على ما يحبه، فالأول: إعانة، والثاني: عبادة، والثالث: جمع له بين العبادة والإعانة كما قال
1 / 157