فإن قال: فين واحدة حرمها الله تعالي - تصير حلالا، والعين قائمة قيل له: نعم؛ إذا كانت محرمة لعلة لا للعين نفسها فزالت العلة التي وجب بها التحريم - زال حكم التحريم، وصار المحرم حلالا، والله أعلم.
ومن الدليل على أن بعض أصحابنا: كان لا يقول بالقياس في الأحكام أنهم أجمعوا مع مخالفيهم أن المرتدة عن الإسلام: يبطل صداقها من زوجها، وتحرم عليه.
واختلفوا في الزانية: فردها بعضهم قياسا على المرتدة، فأبطل صداقها؛ لأن الحرمة جاءت من قبلها كالمرتدة.
وقال بعضهم: لها الصداق: ولم يجمع بينها وبين المرتدة بعلة إدخال الحرمة بفعلها مع اتفاقهم على أنها تحرم على زوجها بفعلها للزنا.
ويوجد في الأثر عن عبدالله بن محمد بن مسلمة المدني، وكان فقيها، وابن فقيه، وكان أبو عبيدة مسلم يعظمه، ولا يقوم من مجلسه إلا له.
وكان يقول في المرأة؛ إذا حلف عليها زوجها بطلاقها: ألا تفعل مما له أن يمنعها منه، فارتكبت نهيه، وفعلت ما حلف عليها ألا تفعله - أنها تطلق، ويبطل صداقها؛ لأنها هي التي أدخلت الحرمة عليهما - وهذا يدخل: على أن صاحبنا قاسه على المرتدة في بطلان صداقها، لإدخالها الحرم على زوجها.
ويدل على أن بعض أصحابنا لم يقولوا بالقياس: أنهم أجازوا إطعام أهل الكتابين؛ لإجازة ظاهر الكتاب: لقول الله عز وجل ذكره: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم " ، ولم يعتبروا نجاستهم، واستعملوا الظاهر.
ولم يجز بعضهم التعريض للبوائن من المطلقات قياسا على البوائن من الميتات، وتركوا القياس هاهنا، ولعلهم ذهبوا إلى ما روي عن أبن عباس؛ لما قال: من حمل دينه على القياس لم يزل- الدهر- في القياس.
وأيضا فإنهم يريدون في القيء، والرعاف؛ أنهما لا ينقضان الصلاة؛ إذا انفلت المصلي بهما - توضأ، وبني على صلاته، ولم يقيسوا على هذه السنة غيرها من الأحداث.
صفحه ۷۱