وقال أبو معاوية في سيرته بعد نسبة أئمة المؤمنين: نسأل الله تعالي اللحاق بهم، والأتباع لهم، والأخذ بسيرتهم، وأن يجعلنا ممن يطلب العلم للعمل به، ولا يطلبه للجدل؛ فإنه أفضل الأعمال بعد أداء الفرائض لمن أراد الله هدايته، وهو زين لمن يعلمه يريد به رضا الله، فعلمه وعمل به؛ فهو زين له في دنياه، ونجاة له في عقباه؛ ذلك للعاملين بما علمهم الله، لم يتعلموا العلم لطلب رياسة، ولا لسياسة، ولا طلبوا به شرف المنازل، ولا المطامع، ولا للمآكل، ولا يطلبون أن يكونوا به يكرمون، ولا به إلى السلطان يتوصلون، ويتقربون، قد أكرموه على الأدناس، ولم يتقربوا به إلى الناس؛ فأولئك زادهم الله علما، وزادهم حلما وفهما؛ فهم أولي بالعلم ممن أراد به تقربا إلى السلطان، وأمكن من نفسه كيد الشيطانت، فسعي به إليهم، وتوسل به عندهم، وكان جمعه للعلم لهم؛ فأولئك قد جعل الله لهم في القلوب البغضة؛ وأولئك قد استحقوا من الله سخطه؛ فلا جعلنا الله كذلك، ولا سبيل أولئك.
والرواية عن ابن عباس أنه قال: لو أن أهل العلم أخذوه بحقه لأحبهم الله وملائكته، والصالحون من عباده، ولهابهم الناس، ولكن طلبوا الدنيا؛ فمقتهم الله، وهانوا على الناس، وقال ابن مسعود (رحمه الله): لو أن أهل العلم وضعوه عند أهله لسادوا أهل زمانهم، ولكن وضعوه عند أهل الدنيا لينالوا منهم؛ فزهدوا فيهم، وقال وهب بن منبه: من طلب الدنيا لعمل الآخرة نكس الله قلبه، وجعل اسمه في أهل النار.
وقال النبي (صلي الله عليه وسلم). إن للحكمة أهلا؛ فإن منعتها أهلها كنت جاهلا، وإن بذلتها لغير أهلها كنت جاهلا.
وتعليم الجاهل على العالم فرض، وليس بتطوع، وقيل: إن حفظ مسألة يعدل عبادة ستين سنة، وقيل أكثر من ذلك، وهي المسألة التي هي فرض على الإنسان مثل: التوحيد: ومالا يسع جهله مما لا يعذره الله بجهله مما يكون به خلاصة من النار.
صفحه ۳۳