وقيل: أوصي مسلمة مؤدب أولاده؛ فقال له: إني وصلت جناحك بعضدي، ورضيت بك قرينا لولدي؛ فأحسن سياستهم، وقومهم، فإن لك استقامتهم، وسهل بهم في التأديب عن مذاهب التأنيب، وعلمهم معرفه أخلاق الكرام، وجنيهم مذاهب أهل المذام، وامنعهم أن [ ] يهرجوا أمرا ما لم يعرفوه، وكن لهم سايسا شفيقا، ومؤدبا رفيقا، تكتس منهم المحبة، والرفق؛ في حسن القبول ومحمود المغبة، ويمنحوك ما يرون أثرك عليهم عندك، وعليهم وحسن تأديبك لهم جميل الرأي، وفاضل الإحسان، ولطيف المعاناة.
وقيل: إن يحيي بن زياد الفراء- كان يعلم ابني المأمون النحو، فلما كان في بعض الأيام: أراد الفراء أن ينهض إلي بعض حوائجه، فابتدرا إلي تقديم نعل الفراء؛ فتنازعا: أيهما يقدمه له، ثم اصطلحا علي أن يقدم كل واحد منهما فردا، فقدماهما.
وكان المأمون له علي كل شيء صاحب خبر، فرفع ذلك إليه، فرجه إلي القراء، فاستدعاه، فلما دخل عليه- قال [للفراء]: من أعز الناس؟ قال: ما أعرف أعز من أمير المؤمنين، قال: بل من إذا نهض تقاتل علي تقديم نعليه، وليا عهد المسلمين !!.. حتى رضي كل واحد منهما: أن يقدم له فردا.
فقال: يا أمير المؤمنين؛ لقد أردت منعهما من ذلك؛ ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها؛ فأكسر نفوسهما عن شريعة حرصا عليها.
فقال له المأمون: لو منعهما من ذلك، لأوجعتك لوما، وعتبنا، وألزمتك ذنبا، وما وضع ما فعلا من شرفهما، وعلو قدرهما؛ بل رفع من قدرهما، وبين عن جوهرهما، ولقد تبينت لي مخيلة الفراسة بقولهما، فليس تكبر الرجل وإن كان كبيرا عن ثلاث: لسلطانه، ولوالديه، ولمعلمه، وقد عوضتهما مما فعلا: عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما.
وقد يروي عن ابن عباس، أنه أمسك للحسن والحسين ركابهما؛ حتى خرجا من عنده.
صفحه ۱۳۵