============================================================
وأما الضرر المخوف في تأخير التوبة : فإن أول الذنب قسوة، وآخره -والعياذ بالله - شؤم وشقوة، فإياك أن تنسى أمر ابليس وبلعم بن باعوراء(1) ، كان مبتدأ أمرهما ذنبا، وآخروه كفرا ، فهلكا مع الهالكين أبد الابدين: فعليك - رحمك الله- بالتيقظ والجهد، عسى أن تقلع من قلبك عرق هلذا الإصرار، وتخلص رقبتك من هلذه الأوزار، ولا تأمن قساوة القلب من الذنوب، وتأمل حالك، فلقد قال بعض الصالحين : إن سواد القلب من الذنوب.
وعلامة سواد القلب : ألا تجد للقلوب من الذنوب مفزعا، ولا للطاعة موقعا، ولا للموعظة منجعل(2)، ولا تستحقرن الذنوب ، فتحسب نفسك تائبا وأنت مصر على الكبائر ، كما قال الشاعر : ([من الكامل) لا تحقرن من الدنوب أقلها إن القليل مع الدوام كثير لقد بلغنا عن كهمسي بن الحسن أنه قال : (أذنبث ذنبا فأنا أبكي عليه منذ أريعين سنة ، قيل : ما هو يا أبا عبد الله؟ قال : زارني أخ لي في الله ، فاشتريت له سمكا، فأكل، ثم قمت إلى حائط جار لي، فأخذت منه قطعة طين ، فغسل بهايده)(3).
فناقش نفسك وحاسبها، وسارغ إلى التوبة وبادر؛ فإن الأجل مكتوم، والدنيا غروة، والنفس والشيطان عدؤان، وتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وابتهل، واذكز حال أبينا آدم عليه السلام الذي خلقه الله سبحانه وتعالى بيده، ونفخ فيه من روحه، وحمله إلى جنته على أعناق الملائكة، لم يذنب إلا ذنبا واحدا ، فنزل به ما نزل ، حتى روي : ( أن الله تعالى قال له : يا آدم؛ أي جار كنث لك؟ قال : نعم الجار يا رب، قال : يا آدم؛ اخرج من جواري، وضع
صفحه ۶۱