٥- إضاءة: وإذ قد تبين هذا فينبغي لمن طمحت به همته إلى مرقاة البلاغة المعضودة بالأصول المنطقية والحكمية لوم تسفف به إلى حضيض صناعات اللسان الجزئية المبنية أكثر آرائها على شفا جرف هار ألا يعتقد في وزن من الأوزان أنه مفتقر في وضعه إلى أن يفك من نظام آخر، بل إنما يستنبط الوزن باستقصاء ضروب تركيبات الأسباب والأوتاد واستقصاء ضروب ما يتركب من الأجزاء المؤتلفة من تركيبات الأسباب والأوتاد، ثم يلزمه بعد الوضع أن يوجد وزن آخر أو أوزان سياق نظامها نظامه بان تجعل مبدأها من رؤوس الأسباب والأوتاد متأخرا عن مبدئه على ما تقدم. فلهذا وجب أن يعتقد أن هذه الانفكاكات التي لهذا الأعاريض من الدوائر أمور عارضة لا يفتقر في تصور ماهيات الأعاريض وحقائقها إليها، ولذلك لم يقل بها كثير من العروضيين. ومن أوردها فإنما أوردها على أنها ملحة عرضية لحقت الأوزان اتفاقا لا أنها حقيقة بنيت عليها الأعاريض وضعا واعتمادا. فلهذا يجب ألا يبلغ الحرص بالمتأدب على أن يستقصي جميع ما ينفك من كل دائرة ويروم أن يرد كثيرا من الأوزان إلى ذلك ولو بتجزئة متنافرة ثقيلة كما فعل ذلك العروضيون، بل يجب عليه أن يقدر كل وزن بالتجزئة المتناسبة اللائقة به سواء وجد ذلك الوزن بتلك التجزئة منفكا من بعض الدوائر التي قد وقعت فيها أوزان مستعملة أو وجد أمة وحده غير منفك من وزن مستعمل أو منفك منه وزن مستعمل. فقد بينا أن أكثر الدوائر تنفك منها أوزان غير ملائمة ولا خفيفة. وهناك أيضًا دوائر أخر لم يستعمل منها شيء. وهي عزيزة الإحصاء لكثرتها، إذ لكل تركيب من تركيبات الأسباب والأوتاد والجزاء المركبة منها دائرة تخصه.
وضروب التركيبات كثيرة جدا. وإنما استعملت العرب من جميع ذلك ما خف وتناسب وليس يوجد أصلا في ضورب التركيبات والوضع الذي للحركات والسكنات والأجزاء المؤتلفة من ذلك أفضل مما وضعته العرب من الأوزان. وإذا تصفحت ما قلته في ترتيب الحركات والسكنات والمسموعات المستطابة من ضروب ترتيباتها في مواضع قد تقدمت من هذا الكتاب عرفت صحة ذلك.
ولنرجع الآن ما كنا بسبيله من الإبانة عن ضروب التركيبات الوزنية.
٦- تنوير: فإما الأوزان المتركبة من خماسية وسباعية فإن أصل البناء أشطارها على أربعة أجزاء. فمن ذلك الطويل، وشطره فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن، نحو: (الطويل -ق- المترادف)
صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو
إلا أنهم التزموا حذف الخامس من جزء العروض وهو الجزء الرابع، فلا يثبتون الخامس الساكن إلا في التصريع المقابل لضرب تام، ويستقطعونه في جميع الأعاريض الواقعة في تضاعيف القصيدة، حيث لا تصريع على الصفة المذكورة. وذلك كقول امرئ القيس: (الطويل -ق- المترادف)
وهل يعمن إلا سعيد مخلد
فتقدير جزء العروض في هذا مفاعلن، بغير ياء، ويسمى حذف هذا الساكن الخامس القبض.
ومنها البسيط. وشطره مربع متداخل على نحو وضع الطويل، إلا أن الخامس فيه يسبق السابع، وذلك نحو قول النابغة: (البسيط -ق- المتراكب)
يا دار مية بالعلياء فالسند
وكان أصل شطوره: مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن، إلا أنهم التزموا الخبن، وهو حذف الثاني الساكن في فاعلن في جزئي العروض والضرب مع تصريع وغير تصريع.
ومنها المديد. وأصل بناء شطره على أربعة أجزاء إلا أنهم التزموا حذف جزء من عروضه وجزء من ضربه، وهو فاعلن. فصار الشطر: فاعلاتن فاعلن فاعلاتن، نحو قول مهلمل: (المديد -ق- المترادف)
يا لبكر، انشروا لي كليبا
1 / 74