٦- تنوير: وبقوة التهدي إلى العبارات الحسنة يجتمع في العبارات أن تكون مستعذبة جزلة ذات طلاوة. فالاستعذاب فيها بحسن المواد والصيغ والائتلاف والاستعمال المتوسط. والطلاوة تكون بائتلاف الكلم من حروف صقيلة وتشاكل يقع في التأليف ربما خفي سببه وقصرت العبارة عنه. والجزالة تكون بشدة التطالب بين كلمة وما يجاورها وبتقارب أنماط الكلم في الاستعمال. وسائرها يتعلق بالألفاظ المفردة من الشروط المذكورة التي تطرد الكلم بوجودها فيها أحسن اطراد.
فهذه إشارة إلى ما يجب أن يتفقده الناظم ويلتفت إليه، وعلى قدر قوته، من الجهات التي تحسن منها العبارات أو تقبح، قد أجملت الكلام فيها، وجعلتها كالإحالة على ما قدمته، مما يتعلق بالألفاظ وتأليفها في العبارات عن المعاني. من قابل هذا لإجمال بذلك التفصيل ظفر بالغبية والمراد إن شاء الله.
المنهج الثاني في الإبانة عن أنماط الأوزان في التناسب، والتنبيه على كيفيات مباني الكلام وعلى القوافي وما يليق بكل وزن منها من الأغراض، والإشارة إلى طرف من أحوال القوافي وكيفية بناء الكلام عليها وما تعتبر به أحوال النظم في جميع ذلك من حيث يكون ملائما للنفوس أو منافرًا لها.
أ- معلم دال على طرق العلم بمجازي الأوزان وأبنيتها وضروب تركيباتها ووضعها
قد صح بالاعتبارات البلاغية في تناسب المسموعات وانتظامها وترتيباتها وكون المناسبات الوزنية جزءا يدخل تلك الجملة أن الوزان المستعملة الآن عند أهل النظم - مما ثبت استعمال العرب له وما شك في ثباته، وما لم يثبت أصلا بل وضعه المحدثون قياسا على ما وضعته العرب - متركبة من ثلاثة أصناف من الأجزاء خماسيات وسباعيات وتساعيات، وإن لم يتسلم في هذا العروضيون. وليس يجب أن يلتفت إلى تسليهم في ذلك ولا منازعتهم، فإنهم فقراء إلى أن يقتبسوا تصحيح أصول صناعتهم في هذه الصناعة؛ فإن معرفة صناعتهم موقوفة على معرفة جهات التناسب في تأليف بعض المسموعات إلى بعض ووضع بعضها تالية لبعض أو موازية لها في الرتبة.
ومعرفة طرق التناسب في المسموعات والمفهومات لا يوصل إليها بشيء من علوم اللسان إلا بالعلم الكلي في ذلك وهو علم البلاغة الذي تندرج تحت تفاصيل كلياته ضروب التناسب والوضع، فيعرف حال ما خفيت به طرق الاعتبارات من ذلك بحال ما وضحت فيه طرق الاعتبار وتوجد طرقهم في جميع ذلك تترامى إلى جهة واحدة من اعتماد ما يلائم واجتناب ما ينافر.
١- إضاءة: ولنقل الآن مقالا مختصرا في تعديد التركيبات والأبنية الوزنية التي يصوغ أهل النظم في هذا الزمان الكلام عليها مما ثبت وضعه عن العرب وما لم يثبت وما شك في ثباته.
فنقول: إن الأوزان الشعرية منها ما تركب من أجزاء خماسية، ومنها ما تركب من أجزاء سباعية، ومنها ما تركب من أجزاء تساعية، ومنها ما تركب من أجزاء خماسية وسباعية، ومها ما تركب من أجزاء سباعية وتساعية، ومها ما تركب من خماسية وسباعية وتساعية.
٢- تنوير: فأما ما تركب من الخماسية الساذجة، المتقارب. وبناء شطره على فعولن مكررا أربعا، نحو قول الأعشى همذان: (المتقارب -ق- المترادف)
تقادم عهدك أم الحلال
٣- إضاءة: وأما ما تركب من السباعية الساذجة فإن الشطر فيها على ثلاثة أجزاء، وربما حذفوا الثالث منها أو بعضه.
فمن ذلك الرجز، وبناء شطره من مستفعلن ثلاث مرات، نحو قول جرير: (الرجز -ق- المتدارك)
أقلبن من فهلان أو جنبي خيم
ومنها الكامل، وبناء شطره على متفاعلن ثلاث مرات، نحو قول عنترة: (الكامل -ق- المتدارك)
طال الثواء على رسوم المنزل
ومنها الوافر، وأصل بناء شطره على مفاعلتن ثلاثا إلا أن السبب حذف من نهايتي شطره وأسكن ما قبله فبقي الجزء الثالث على فعولن، فصار تقدير الشطر: مفاعلتن، مفاعلتن، فعولن، نحو قول زهير: (الوافر - -ق المترادف)
لمن طلل برامة لا يريم
ومنها الرمل، وبناء شطره من فاعلاتن ثلاث مرات إلا أنه التزم فيه حذف سبب من جزء العروض - والعروض هي الجزء الذي في نهاية الشطر الأول من البيت - فصار تقدير أشطاره الأول، فاعلاتن، فاعلاتن، فاعلن، نحو قول نابغة بني شيبان: (الرمل -ق- المتدارك)
حل قلبي من سليمى نبلها
1 / 72