٥- إضاءة: فكل معنى غامض وعبارة مستغلقة فغموضة واستغلاق عبارته راجعان إلى بعض هذه الوجوه المعنوية أو العبارية أو إليهما معا أو إلى ما ناسبهما وجرى مجراهما مما لعلنا لم نذكره من وجوه الإغماض الراجعة على معنى أو عبارة. فعلى هذه الوجوه ووقع بعضها مع بعض في الكلام مدار الأقاويل التي يقصد بها الكنايات والإلغاز وما جرى مجراهما مما لا يقصد فيه الإبانة والتصريح.
٦- تنوير: ويحتاج في موضع التصريح والإبانة أن يتحفظ من وقوع وجه من هذه الوجوه في لفظ أو عبارة. ومتى اضطر وزن أو قافية أو انحصار للكلام في مجال غير متسع له من مقادير الأوزان إلى وقوع شيء من ذلك فليجهد في ما يرفع الإبهام أ، اللبس الواقع بذلك من القرائن المخلصة للكلام إلى ما نحي به نحوه، فإن ورود المعنى غامضا في كلام قد قصد به الإبانة مما يوعر سبيله ويزيله عن الاعتدال والاستواء مع مناقصته للمقصد.
٧- إضاءة: وجملة الأمر أن اشتكال المعاني وغموضها من جهة ما يرجع إليها أو إلى عباراتها يكون لأمور راجعة إلى مواد المعنى أو مواد العبارة أو إلى ما يكون عليه إجراؤهما من وضع وترتيب أو إلى مقاديرها ترتب من ذلك أو إلى أشياء مضمنة فيهما أو أشياء خارجة عنهما.
٨- تنوير: وإذا قد عددت جملة ما به يكون اشتكال المعاني من جهة ما يرجع إليها أو إلى عباراتها فنذكر بعض وجوه الحيل التي من شأنها أن يماط بوجه وجه منها ما وقع في المعاني من غموض وإشكال بوجه وجه مما به يكون اشتكال المعاني وغموضها ذكرا موجزا على جهة الإشارة والإيماء.
٩- إضاءة: فأما طريق الحيل في إزالة الغموض والاشتكال الواقعين بهذه الأشياء فهي أن يعتاض من الشيء الذي وقع به الإغماض والإشكال أو أن يقرن به ما يزل الغموض والاشتكال. فالاعتياض في المعاني يكون بأخذ مماثلاتها مما يكون في معناه أوضح منها. والاعتياض في الألفاظ يكون بما يماثلها من جهة الدلالة. وقد يكون بين العوض والمعوض منه مع ذلك مخالفة في الوضع مثل وصل المنفصل وفصل المتصل وإطالة القصير وتقصير الطويل، وقد لا يكون ذلك.
١٠- وقران الشيء بما يزيل الغموض أو الاشتكال الواقع فيه يكون بأن يتبع الشيء بما يكون شرحا له وتفسيرا من جهة ما يكون في معناه أو تكون دلالته في معنى دلالته أو من جهة ما يناسبه ويشابهه، ويكون بأشياء خارجة عن معنى الشيء إلا أن فيها دلالات على إبانة ما أنبهم في الأشياء المقترنة بها.
١١- إضاءة: ولهذه الجملة تفصيل طويل لا يمكن أن نتقصاه بالتمثيل في وجه وجه من تلك الأشياء التي من قبلها تشتكل المعاني في أنفسها ومن جهة عباراتها إذ بعض الشواغل ومراعاةما اعتمدته في هذا الكتاب من الاكتفاء في كل باب منه بالإجمال عن التفصيل وباللمحة الدالة عن الجملة الشارحة يمنعان من الزيادة على القسط الواجب فيه بحسب ما اعتمدته، لكني أورد في ما تعلق ببعض ذلك كلاما كنت قيدته فيما تقدم، فإن فيه زيادة إفادة إلى ما ذكرته، فيجعل الناظر وجه النظر والعمل في ما لم أذكره من ذلك بحسب الأمر في ما ذكرته، وليتول اعتبار جميع ذلك في وجه منها بنفسه. فقد أوضحت له السبيل إليها ودمثت له الطريق الدال عليها.
يا-معلم دال على طرق العلم بما يزيل الغموض والاشتكال العارضين في المعاني، من حيث ذكر في المعرف الفارط.
وقد تقدمت الإشارة إلى بعض ذلك. وأنا شارع في تتميم ذلك وتكميله وإيراد القول فيه مفصلا والتعريف بما لم يجر له ذكر من ذلك.
فأقول: إن المعاني منها ما يقصد أن تكون في غاية من البيان على ما تقدمن ومنها ما يقصد أن تكون في غاية من الإغماض، ومنها ما يقصد أن يقع فيه بعض غموض، ومنها ما يقصد أن يبان من جهة وأن يغمض من جهة.
وبيان المعاني يكون بتعريها من الأوصاف التي تبعدها عن البيان. وتلك الأوصاف تنقسم: إلى ما يرجع إلى المعنى وإلى ما يرجع على اللفظ المعبر عنه. وتلك الأشياء الراجعة إلى المعنى أو إلى العبارة: إما أن تكون راجعة في كليهما إلى مادة أو إلى وضع وترتيب أو إلى مقدرا أو على ما يكون متضمنا لهما أو ملتزما.
1 / 56