١- إضاءة: ومن ذلك جهة الإدراك. وينبغي أن تكون المحاكاة في الأمور المحسوسة حيث تساعد المكنه من الوجوه المختارة بالأمور المحسوسة. وبها يحسن بأن تحاكي الأمور غير المحسوسة حيث يتأتى ذلك ويكون بين المعنيين انتساب. ومحاكاة المحسوس بغير المحسوس قبيحة.
٢- تنوير: وينبغي أن تكون المحاكاة التي يقصد بها وضوح الشبه منصرفة على جنس الشيء الأقرب كتشبيه أيطل الفرس بأيطل الظبي. والمحاكاة التي يقصد بها التوسع والراحة والقناعة بما تيسر من الشبه منصرفة إلى الجنس الأبعد كتشبيه متن الفرس بالصفاة.
وينبغي أن تكون المحاكاة التي يقصد بها اجتماع وضوح الشبه وظهور نبل الشاعر وحذقه منصرفة إلى الجنس الذي يلي الجنس الأقرب كتشبيه الأشياء الحيوانية بالأشياء النباتية، نحو تشبيه قلوب الطير رطبة بالعناب، ويابسة بالخشف، وتشبيه غبرة الروق بالقلم المستمد.
٣- إضاءة: وينبغي أن يكون المثال المحاكي به معروفا عند جميع العقلاء أو أكثرهم بالسجية. ولا يحسن أن يكون مما ينكر ويجهل.
٤- تنوير: وينبغي أن تكون الأوصاف التي يشترك فيها المثال والممثل أشهر صفاتها أو من أشهراها. واعتبار هذا الشرط آكد في صفات الممثل به. وينبغي أن تكون الصفات التي يتضادان فيها أخمل صفاتهما.
٥- إضاءة: ويشترط في المحاكاة التي يقصد بها تحريك النفس إلى طلب الشيء أو الهرب منه أن يكون ما يحاكى به الشيء المقصود إمالة النفس نحوه مما تميل النفس إليه، وأن يكون ما يحاكى به الشيء المقصود تنفير النفس عنه مما تنفر النفس عنه أيضا. فإن مثل ما يقصد تحريك النفس على طلبه بما من شأنها أن تهرب عنه، وما قصد تحريكها إلى الهرب منه بما من شأنها أن تطلبه، كان ذلك خطأ وجاريا مجرى التناقض. وذلك مثل قول حبيب: (الطويل -ق- المترادف)
إذا ذاقها، وهي الحياة، رأيته ... يعبس تعبيس المقدم للقتل
فأما المحاكاة التي لا يقصد بها تحسين ولا تقبيح ولكن، محاكاة الشيء بما يطابقه فقط، فالمذهب الأمثل محاكاة الحسن بالحسن والقبيح بالقبيح. وقد يحاكى الشيء الحسن في حيز وبالنسبة إلى غرض بما هو قبيح في حيز آخر وبالنسبة إلى غرض آخر. ولا يقصد في ذلك إلا محاكاتهما من حيث تطابقا. وقد يقصد بذلك ضرب من الإغراب. فيستسهل لذلك تمثيل ما تميل النفس إليه بما تنفر عنه، كقول ابن الرومي: (الرجز -ق- المترادف)
هام وأرغفة وضاء فخمة ... قد أخرجت من جاحم فوار
كوجوه أهل الجنة ابتسمت لنا ... مقرونة بوجوه أهل النار
وكأن هذا وما جرى مجراه من عبث المنهومين.
٦- تنوير: واعلم أنه لا تحسن محاكاة ذي مقدار كبير بذي مقدار صغير، ولا محاكاة ذي مقدار صغير بذي مقدار كبير، إذا كان بينهما تفاوت في ذلك. وكذلك لا تحسن محاكاة ذي لون بذي لون مخالف له ما لم تقصد في ما تفاوت من ذلك وما تخالف محاكاة هيئة فعل أو حال في المحاكاة والمحاكى به. فإذا قصدت محاكاة هيئة بهيئة لم تلتفت إلى تفاوت ما بين الواحد والآخر في المقدار ولا تباين ما بينهما في اللون، ولذلك استحسن تشبيه الذباب بالقادح، لأن المقصود محاكاة إحدى الحالين بالأخرى. فالمحاكاة إنما تعلقت بالهيئة لا بالمقدار. وعلى هذا حمل تشبيه العصا بالجان وهو حية صغيرة كثيرة الهيج والحركة بعد تشبيهها بالثعبان المبين، لأن المقصود في التشبيه محاكاة هيئة الحركة، وليس المقصود محاكاة مقدار هذا بمقدار ذلك.
٧- إضاءة: واعلم أنه إذا اجتمع في المحاكي والمحاكى به أوصاف ثلاثة أو اثنان منها وهي: المقدار والهيئة واللون جاز عكس المحاكاة، وحسن أن تحاكي الشيء بما حاكيته به.
٨- تنوير: واعلم أن الصوت والهيئة إذا اتفقا في متناه في الحقارة ومتناه في العظمة فلا تحسن محاكاة أحدهما بالآخر إلا حيث يقصد غلو في تحقير المحاكي أو تعظيمه. فإذا لم يتفاوتا في ذلك، جازت محاكاة أحدهما بالآخر. وكان الأعظم محاكى به حيث يقصد التعظيم، والأحقر محاكى به حيث يقصد التحقير. ولا يجوز العكس إلا حيث يتقاربان أو يتكافآن.
1 / 36