١- إما أن يحسن الشيء من جهة الدين وما توثره النفس من الثواب على فعل شيء أو اعتقاده وتخاف من العقوبة على تركه وإهماله وإما أن يقبح من ضد ذلك.
٢- وإما أن يحسن من جهة العقل وما يجب أن يوثره الإنسان من جهة ما هو عاقل ذو أنفة من الجهل والسفاهة وإما أن يقبح من ضد ذلك.
٣- وإما أن يحسن من جهة المروءات والكرم وما توثره النفس من الذكر الجميل والثناء عليه أو يقبح من ضد ذلك.
٤- وإما أن يحسن من جهة الحظ العاجل وما تحرص عليه النفس وتشتهيه مما ينفعها من جهة ما توثر من النعمة وصلاح الحال أو يقبح من ضد ذلك.
فوقوع التحسينات والتقبيحات في التخاييل الشعرية إنما يسلك به أبدا طريق من هذه الأربعة وهي: الدين والعقل والمروءة والشهوة.
ويتعلق التحسين والتقبيح أبدا إما بالشيء الذي يراد الميل إليه أو النفرة عنه، وإما بفعله أو اعتقاده. فإذن التحسينات المتعلقة بالشيء بالنسبة على هذه الطرق أربعة، وبفعله أو اعتقاده أربعة، فتلك ثمانية جهات يتفقدها الشاعر إذا أراد تحسين شيء.
وللتقبيحات أيضًا بالنسبة إلى تلك الطرق فيما تعلق بالشيء أربعة مذاهب، وفيما تعلق بفعله أو طلبه أو اعتقاده أربعة أيضا. فهذه أيضًا ثماني جهات.
والجهات المزدوجة وهي التي يتعلق التحسين والتقبيح فيها بالشيء وفعله أو اعتقاده معا بالنسبة على تلك الطرق الأربعة أيضًا ثمان.
فحصل من هذه الأنحاء التي تتفرع غليها التحسينات والتقبيحات أربع وعشرون صورة. وإذا اعتبر تحسين الشيء نفسه أو تقبيحه بالنظر إلى ما يكون عليه في نفسه وما يرجع إليه، أو بالنسبة على ما يكون منه بسبب مما هو خارج عنه، ومن جهة ما يقع منه أو به فعل، تضاعفت القسمة.
١١- إضاءة: والتحسين والتقبيح يتعلقان بالفعل من جهة ما هو عليه في نفسه، ومن جهة ما تكون عليه الأحوال المطيفة به. والأحوال المطيفة بالفعل هي: ١- الزمان ٢- والمكان ٣- وما منه الفعل ٤- وما إليه الفعل ٥- وما به الفعل ٦- وما من أجله الفعل ٧- وما عنده الفعل.
فقد يكون الفعل حسنا أو قبيحا في نفسه، وقد يكون الحسن والقبح من جهة بعض هذه الأحوال المطيفة. فكل فعل قصد تحسينه أو تقبيحه من جهة ما يرجع غليه في نفسه، أو من جهة ما يرجع إلى الأحوال المطيفة به فإنما يكون التحسين والتقبيح فيه من جهة ما يكون وفقا لبعض تلك الأشياء التي كأنها غايات تترامى إليها مطالب الناس، أو من جهة ما لا يكون وفقا لها. وتلك الأشياء التي عليها مدار التحسينات والتقبيحات هي: الورع والعقل والمروءة والشهوة في الحظ العاجل. فتحسين الفعل وتقبيحه يقع في كل ركن من هذه الأركان من ثمانية أنحاء على ما تقدمت الإشارة إليه من حيث إن الفعل تطيف به أحوال سبعة.
١٢- تنوير: وإنما جعلت التحسين والتقبيح ينصرفان طورا على الشيء نفسه، وتارة على فعله أو اعتقاده أو طلبه، وتارة إلى مجموع ذلك كله، لأن الشيخ إذا عشق جارية جميلة وأردنا أن نصرفه عنها بالأقاويل الشعرية اعتمدنا ذم الفعل وعيب التصابي في حال المشيب وما ناسب هذا. فإن كانت قبيحة أو ممن يجوز تخييل القبح فيها أضفنا إلى ذم تصابي الشيخ ذم قبح الفتاة. فإن كان العاشق شابا اعتمدنا ذم ما في المرأة من قبح خلق وخلائق نحو ما يوصف النساء به من الغدر والملالة وغير ذلك. ولم نقبح عليه العشق في الشباب إلا من جهة عقل أو نحو ذلك.
١٣- إضاءة: والتحسينات والتقبيحات الشعرية تميل على أشياء وتنصرف عن أشياء وتكثر في أشياء وتقل في أشياء بحسب ما يكون عليه الشيء من التباس بآداب البشر، وما يكون عليه من نفع أو ضرر، أو لا يكون له التباس يعتد به في تأثر النفوس له من جهة نفع أو ضرر. وقد تقدم التنبيه على أحوال المعاني في جميع ذلك. فليتصفح هنالك، والله الموفق.
1 / 34