============================================================
العدل أن لا يؤاخذ بما سبق منه من إتلاف أموال أهل العدل وسفك دمائهم وجرح أبدانهم، فلم يجب على علي قتلهم ولا دفعهم إلى الطالب، ومن ل يرى الباغي مؤاخذا بذلك فإنما يجب على الإمام استيفاء ذلك منهم عند انكسار شوكتهم وتفرق منعتهم ووقوع الأمن له على إثارة الفتنة، ولم يكن شيء من هذه المعاني حاصلا، بل كانت الشوكة لهم باقية بادية، والمنعة قائمة جارية، وعزائم القوم على الخروج على من طالبهم بدمه دائمة ماضية، وعند تحقق هذه الأسباب يقتضي التدبير الصائب الإغماض منهم والاعراض عنهم.
و قد كان أمر طلحة والزبير خطأ غير أنهما فعلا ما فعلا عن اجتهاد، وكانا من أهل الاجتهاد، فظاهر الدليل يوجب القصاص على قتل العمد واستئصال شأفة من قصد دم إمام المسلمين بالإراقة على وجه القساد. فأما الوقوف على إلحاق التأويل الفاسد بالصحيح في حق إبطال المؤاخذة فهو علم خفي فاز به علي، كما ورد عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله ال وسلم أنه قال له: "إنك تقاتل على التأويل كما تقاتل على التنزيل"(1) ثم كان قتاله على التنزيل حقا، فكذا كان قتاله على التأويل حقا وقد ندما على ما فعلا، وكذا عائشة رضي الله عنها(2) ندمت على ما فعلت وكانت تبكي (1) (إنك تقاتل على التاويل) تبصرة الأدلة لأبي المعين محمد النسفي، وفي أحمد: فيكم من يقاتل على تاويل القرآن، كما قاتل على تنزيله (أحمد 31/3) .
(2) كان خروج عائشة رضي الله عنها بقصد الإصلاح وانتظام الأمور وحفظ عدة نفوس من كبار الصحابة رضي الله عنهم، وكان معها ابن أختها عبد الله بن الزبير*
صفحه ۲۰۱