============================================================
أي : بتلبسها بك مرتبة (علياء) تأنيث الأعلى (بعدها) في الزمان والعلو مرتبة أخرى (علياء) أي: أعلى منها؛ أي: لك في كل عصر من العصور المذكورة مرتبة أعلى مما قبلها وأعلى منها ما بعدها، وهكذا إلى ما لا نهاية له، ودليل تفاوت مراتبه كما ذكر قوله تعالى : وقل رب زدنى علما}، ولا شك أن علومه ومعارفه متزايدة متفاوتة الى ما لا نهاية له ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليغان على قلبي فأشتغفر ألله"(1) قال العارف القطب أبو الحسن الشاذلي : (هلذا غين أنوار لا غين أغيار) أي : لأنه صلى الله عليه وسلم كان دائم الترقي، فكان كلما توالت أنوار العلوم والمعارف على قلبه.. ارتقى إلى مرتبة أعلى مما هو فيها، ورأى أن ما قبلها دونها، فيستغفر الله تواضعا طلبا لتزايد كماله.
وفي قول الناظم : (وتسمو...) إلخ من المدح ما لا يخفى عظيم وقعه ؛ لأنه جعل تلك المراتب هي التي تسمو وترتفع به، ولم يجر على ما هو المتبادر أنه الذي يسمو ويرتفع بها؛ لما هو الحق: أنه تعالى خلقه في عالم الأمر على اكمل كمال يمكن (2) أن يوجد لمخلوق، ثم أبرزه في عالم الخلق بقدر متدرجا في تلك المراتب ، فتتشرف به لا يتشرف هو بها؛ لما علمت أنه كامل قبلها، فتأمل ذلك فإنه دقيق غفل عنه الشارح وبدا للوجود منك كريم من كريم آباؤه كرماء (وبدا) أي: ظهر (للوجود) أي : لهذا العالم (منك كريم) أي : سالم من كل صفة نقص، جامع لكل صفة كمال، وهذذا أحد أنواع التجريد الذي هو من أدق أنواع البديع ، وهو - أعني التجريد - : أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مماثل لذلك الأمر في تلك الصفة، مبالغة لكمالها في ذلك الأمر، حتى كأنه بلغ من الاتصاف بتلك الصفة إلى حيث يصح أن ينتزع منه موصوف آخر بتلك الصفة، وهو أنواع : منها: (1) آخرجه مسلم (2702)، وأبو داوود (1510)، وأحمد (211/4).
(2) في (د) : (لا يمكن).
صفحه ۴۱