من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
ژانرها
وما وقعت والله عيناي على صورة الطفلين الصغيرين، وما سمعت بكاء الأم وبنتها حتى انخلع قلبي، وأحسست بالدموع تتساتل على وجنتي ساخنة وأنا لا أدري ماذا أقول، وما أحسبك أيها القارئ إلا تحبس دمعك في جهد الآن أو لعلك تسخر مني - عفا الله عنك - وتضحك من ضعفي.
واستبطأني قريبي فناداني، فخرجت إليه وأنا على هذه الحال، ورحت أتوسل إليه أن يخفف العقاب، قائلا: ما ذنب هؤلاء وأين تذهب هذه البنت؟ وكيف تطعم الأم هؤلاء الصغار؟
ونظر إلي طويلا وهو يتفكر ثم قال: «ولكنه مختلس وإنه يسلب حق المجتمع، إنني تلقاء اختلاس محض ... ألم يكن يعلم هذا المختلس السافل أن له زوجة وبنتا وأطفالا؟»
وقلت: ناشدتك الله أن تعفيني من سماع هذا كله. ماذا يصنع هؤلاء وما جريرتهم؟
وتنهد وقال: أنت لا تصلح أن تكون قاضيا، فقلت: يرحمك الله ما سألت أحدا أن يجعلني قاضيا، ولو أعطيت أضعاف ما أعطى أجرا على عملي ما قبلت أن أكون هذا القاضي، وإلا فقد أطلقت كل مستعطف ودفعت ما أقبض من أجر لكل باك متوسل.
وضحك قريبي وقال: لم أرفع المذكرة إلى الوزير بعد، وسأقترح خصم نصف مرتبه وإنذاره بالرفت ...
وأسرعت إلى الحجرة فما كدت أفضي إليها بهذا النبأ، حتى أقبلت علي تريد أن تقبل يدي، فحلت بينها وبين ذلك في رفق، ثم سألتها كيف تعيش الشهر بنصف المرتب؟ فقالت: «وعد إخوانه إن وصل الأمر إلى هذا أن يجمعوا له إعانة ... ولكني لن أرضى بهذا، وسوف أبيع صيوان الملابس.»
وخرجت ولست أنسى أبدا نظرة الشكر في عينيها وعيني بنتها، وعدت إلى قريبي فنظر إلي يسخر من ضعفي وأعاد علي قوله: أنت لا تصلح أن تكون قاضيا ... وابتسمت وأجبته وبقية الدمع في عيني: ولكنني كسبت القضية.
وإياك أن تسخر من ضعفي أيها القارئ، وخير ما أرجوه لك أن تكون ضعيفا مثلي، وإن لم تبلغ في الضعف حد البكاء.
بين الأرقام والأحلام
صفحه نامشخص