من شقوق الظلام: قصة سجين أكثر ما يؤرق فيها أنها لم تنته بعد

ناهض الهندی d. 1450 AH
45

من شقوق الظلام: قصة سجين أكثر ما يؤرق فيها أنها لم تنته بعد

من شقوق الظلام: قصة سجين أكثر ما يؤرق فيها أنها لم تنته بعد

ژانرها

في بابل الحزينة المهدمة.

ويملأ الفضاء زمزمه.

كان يدون أسماءنا في سجل سري وهو يرمي علينا شتائم ترحيب خاصة وعبارات تأنيب، حتى ضقنا ذرعا بثرثرته، فقال له أحدنا زاجرا: وماذا تعرف أنت عنا حتى تعرف ماذا نريد؟

فغر فاهه ولم يصدق الجواب الجريء فكأنما لطم على فمه فسكت.

عندما كنت صغيرا وعمري لا يتعدى سبع سنوات كان لي صديق بعمري من الجوار ألعب معه دائما، وكنت كما هو يذهب أحدنا إلى بيت الآخر. وفي إحدى المرات رأيت على جدار في غرفة المعيشة خاصتهم أشياء كثيرة معلقة مصنوعة من حبات صغيرة ملونة لماعة تسمى «نمنم»، أعجبتني جدا لجمالها وألوانها البراقة واستهوتني كثيرا بمظهرها اللماع، ولذا سألت صديقي عنها، قالت لي أمه - لتشفي فضولي وهي ترى لهفتي وإعجابي بها - إن لها أخا في السجن هو الذي يصنعها ويرسلها إليها كهدايا في كل مرة يزوره أحد.

بينما كان يسير بنا الحارس في بداية الممر رأيت على اليمين صندوقا زجاجيا كبيرا من طابقين ولربما أكثر من ذلك، فيه معروضات تشبه تلك الأشياء الحلوة الملونة المعلقة في بيت صديق الطفولة. صورة الجمال انهارت من عيني وأنا أرنو ببصري إليها وكأني كنت أرى فيها ساحرة شمطاء تخفي بشاعتها بمظهر مخادع. كم هو مقيت إضفاء الجمال على القبح، والأكثر مقتا أن تصدق أنه بات جميلا فعلا؛ لأنك لا ترى سوى مظهره الخادع وتعمى عن لبه الماكر.

تابعنا المسير، وطلب حرس جدد - بزي مدني انضموا لجوقة الترحيب - منا الجلوس قرفصاء، فيما استقبلت وجوهنا حائطا، سألته في سري كم عدد الذين طالعت وجوههم، وهل حفظتها جميعا لتخبر الأمهات اللاتي سيقفن أمامك حائرات يدرن في هذا الممر على غير هدى يبحثن عن مغيبين ولا أحد ينزع قلقهن؟

ثم كان علينا أن نسير مهرولين إلى باب مصنوع من حديد ثقيل وفوقه قطعة صغيرة مكتوب عليها: «مخزن بطانيات». فتح الباب وكنا نظن أننا سوف نزود ببطانيات، لكن ما إن فتح الباب حتى دفعنا إلى داخل مبنى كبير وأصابتنا دهشة كبيرة لمنظره؛ إذ كان من طابقين؛ خمس زنزانات إلى اليمين وأخرى مثلها على اليسار في كل طابق. الواجهة الأمامية لكل زنزانة عبارة عن قضبان حديدية من أعلى السقف إلى الأرض، بينما كانت الزنزانة مكتظة بعيون تعبى تحملها رءوس حليقة فوق أجساد هزيلة.

استقبلنا بالهراوات من أشخاص ظنناهم رجال أمن، لكن تبين فيما بعد أنهم زمرة خونة لهم قصة سوف يحين وقتها فيما بعد، راحوا يضربوننا بدون سبب، ثم سحب كل واحد منا إلى زنزانة وحشر فيها، لأجد نفسي مع أربعة وأربعين شخصا في زنزانة مربعة ضلعها خمسة أمتار وفي إحدى الزوايا مرحاض صغير.

بالقرب من هذا المرحاض كان محل نومي إلى جنب سجين أتم للتو غسل أكواب بلاستيكية وصحون معدنية، وراح يمسح عن الأرض آثار الماء بأجزاء من نعال إسفنجي خارج عن الخدمة، وعندما انتهى من التجفيف أخذ النعال باحترام وعلقه في سلك يتدلى من سقيفة ثبتت على الحائط، وبدا لي جليا أن كل الأشياء لها قيمة هنا وإن كانت على وشك الانقراض.

صفحه نامشخص