من النقل إلى الإبداع
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
ژانرها
رابعا: الرازي والخازن والسجستاني والقوهي
(1) الرازي
التراث العلمي هو جزء من التراث الفلسفي، الطبيعيات والرياضيات، وليس منفصلا عنه باسم تاريخ العلم وبداياته الأولى قبل اكتماله في العلم الغربي الحديث، وكما هو الحال في جمعيات تاريخ العلم الدولية في الغرب الآن، وهو ليس جزءا من تاريخ العلم عند العرب كرد فعل على الاستشراق، بل هو جزء من التراث الفلسفي لا ينفصل عنه، وليس في مواجهة مع التراث الديني أو الفلسفي كما هو الحال في الإسقاطات المعاصرة على التراث القديم من الصراع بين السلفية والعلمانية، ومثال ذلك بعض مؤلفات الرازي الطبية، والخازن والقوهي الرياضية، والسجستاني الفلسفية. (أ) ففي كتاب «ما الفارق» أو «الفروق» أو «كلام في الفروق بين الأمراض» للرازي (313ه)، لا يذكر إلا جالينوس (مرتين) متبوعا بالرازي، البداية والنهاية، النقل والإبداع، اليونان والمسلمين، حتى ولو كان الرازي من وضع الناسخ؛ لأن المؤلف لا يتحدث عن نفسه؛
1
فالدلالة الحضارية قائمة نظرا للعمل المشترك بين المؤلف والقارئ والناسخ والمالك. ويستأنف الرازي ما قاله جالينوس في الإسهال، ويؤكد على صحته ويدلل عليها، وإذا ما ذكر جالينوس أن ورم المحدب أسرع من نحافته، فإن الرازي يدلل على صحة هذا القول نظرا لعدم نفوذ الغذاء من المحدب. كما يذكر بعض الأطباء على العموم، دون تحديد وافد أو موروث، بداية لتصور العلم، لا مشخصا في الاعتبار، وكموضوع مستقل.
ويقوم الكتاب على التقابل بين الطبيعة والجسد؛ فالطب جزء من الطبيعيات، ومنهجه البحث عن التشابه والاختلاف بين الأمراض لإيجاد تشخيص أو علاج كلي للأسباب الأولى؛ فقد يكون الاختلاف ظاهريا وليس بالحقيقة، وقد يكون التشابه ظاهريا والاختلاف حقيقيا. ويحدد الرازي الغاية والمنهج والأسلوب أولا من أجل تأسيس العلم. يصنف الأمراض من الرأس إلى القدم، من أعلى إلى أدنى، بناء على تصور لا شعوري موروث من الفيض أو من سلم القيم.
2
ويعتمد هذا التصور على العقل والتجربة، القياس والمشاهدة، في تصور حتمي عام لقوانين البدن والطبيعة، بطريقة السؤال والجواب، وما هو أليف في تأليف كتب الطب بحثا عن أسلوب ونوع أدبي ولغة، بالرغم من وجود بعض المصطلحات المعربة. وكان سبب التأليف هو التنظير المباشر للواقع، وتلبية لحاجة العصر، وكرد فعل على نقل الطب من الكتب دون تأسيس العلم بالقياس والتجربة، واكتشاف القوانين الطبية الكلية بمنطق التشابه والاختلاف؛ فبالرغم من ذكر جالينوس إلا أن الإبداع منذ البداية كرد فعل على نقل الأطباء. ويعتذر الرازي عن القدماء؛ فتقصيرهم ليس في ذاته، فقد اجتهدوا قدر الوسع والطاقة، ولكن لتغير الزمان وتقدم العلم.
3 (ب) وفي «كتاب القولنج» لا يذكر جالينوس إلا مرة واحدة في معرض النقد الذاتي؛
4
صفحه نامشخص