از نقل تا ابداع (جلد اول نقل): (۱) تدوین: تاریخ - خواندن - سرقت ادبی
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
ژانرها
مناقشة المادة القديمة بعقد حوار مع بنيتها الداخلية وبيان كيفية توظيفها في ظروفها القديمة من أجل تفكيكها وخلخلة ثباتها وإعادة الحركة لها وتسخينها حتى يمكن بعد ذلك تعديلها جزئيا أو تغييرها كليا إلى بنية جديدة تعبر عن ظروف العصر. (ج)
إعادة بناء النص القديم بناء على ظروف العصر وإعادة كتابته بعد ألف عام، وكأن الحكماء قد بعثوا من جديد ويقومون بفعل التفلسف في ظروف جديدة، هو المستوى الإبداعي الخالص والذي يرى فيه الحكيم الجديد الحكيم القديم.
وتتحقق قراءة النص بخطوات أربع متمايزة: (أ)
تخليص النص القديم من شوائبه التاريخية والبيئة الثقافية القديمة، أسماء الأعلام والأماكن والشواهد حتى يصبح ماهية خالصة يسهل التعامل معها وتحريكها في التاريخ، من الماضي إلى الحاضر؛ أي التخلي عن الخاص من أجل العام، والانتقال من الحسي إلى العقلي، ومن الجزئي إلى الكلي، ومن الزماني إلى الأبدي، ومن التاريخي إلى البنيوي. هكذا فعل ابن رشد في «تلخيص الخطابة» متخلصا من الشواهد والأمثلة اليونانية ومستبدلا بها الشواهد والأمثلة العربية. يعاد إنتاج النص من جديد. النص لم يعد وافدا؛ أي نازلا، بل أصبح موروثا عقليا جديدا في مقابل الموروث النقلي القديم. تقدمه الخاصة للعامة، وتقبله العامة مثل قبولها للمورث، فتتسع مداركها، وتتحدث رؤيتها للعالم. (ب)
نقل البنية الخالصة من الماضي إلى الحاضر، وتسليطها على العصر لمعرفة مدى استمرارها فيه، وأية وظائف قديمة أو جديدة تؤديها. صحيح أن النص الفلسفي لم يعش في الوعي المعاصر كما عاش النص الأشعري والنص الصوفي والنص الفقهي وإلا كنا قد استطعنا احتواء الحاضر والقضاء على التغريب في عصرنا كما استطاع القدماء احتواء الواقع والقضاء على عزلة النص. استطاع القدماء تخليص السقراطية من شوائبها وتركيزها على معرفة النفس ونقلها من «اعرف نفسك بنفسك» إلى «من عرف نفسه فقد عرف ربه»، بإضافة البعد الرأسي الناقص إلى البعد الأفقي الموجود وإكمال علاقة الإنسان بالعالم بعلاقته مع الله، وإكمال علاقة الداخل بالخارج مع علاقة الداخل بالمفارق. وإذا كان أفلاطون قد عرف نصف الحقيقة وأرسطو قد عرف النصف الآخر، فإن الفارابي قد جمع بين النصفين في حقيقة كلية واحدة شاملة تجمع بين الآخرة والدنيا، بين النفس والبدن، بين العقل والحس، بين الله والعالم، بين الداخل والخارج، بين الخيال والواقع، بين الفن والعلم، بين الدين والفلسفة. وبالنسبة لنا قد يتحول المنطق الصوري القديم إلى منطق شعوري حديث. وقد تصبح الطبيعات العقلية القديمة إحساسا معاصرا بالطبيعة ينقص المعاصرين. أما الإلهيات الثنائية الرأسية القديمة فقد تتحول إلى إلهيات أفقية من نوع جديد، يصبح فيها الأعلى هو الأمام، والأسفل هو الخلف، ويتم تصور واجب الوجود في حركة وليس في ثبات، في التاريخ وليس خارج التاريخ. (ج)
ملؤها بمضمون جديد لو كانت مطابقة أو تعديلها طبقا للمضمون الجديد قوة واتجاها، أو تعديلها إن لم تكن مطابقة، زيادة أو نقصا أو توازنا وربما قلبا رأسا على عقب؛ فقد تغيرت المادة الثقافية من اليونانية والرومانية والفارسية والهندية إلى الغربية أساسا بعد أن ضعف جناحنا الشرقي حاليا وقوي جناحنا الغربي، فأصبحنا تقريبا طائرا وحيد الجناح. فالتوحيد بين الفلسفة والدين، بين العقل والوحي، بين الحكمة والشريعة ما زال بنية مطابقة لاحتياجات العصر الذي اتهمت فيه العقول بالقصور وضرورة فرض الوصايا عليها من السلاطين والعلماء، قدماء ومحدثين. ومقاربة المنطق في علاقته بالفكر مع الوحي وعلاقته بالحياة ما زالت مقاربة صحيحة تجعل الوحي منطقا، والمنطق وحيا، وتصنيف العلوم كلها في الحكمة الشاملة دون فصل بين العلوم الرياضية والطبيعية، والنقلية والعقلية ما زال وضعا قائما نظرا لفقدان النظرة الشاملة للحياة. فالماضي يصب في الحاضر، يقويه ويلبي حاجاته أو يتكيف طبقا لمطالبه. (د)
إنشاء بنية جديدة في حالة وصول التجديد إلى أقصى حالاته وأبعد حدوده، وخلق نص فلسفي جديد لا يكون فقط إعادة قراءة «الشفاء» أو إعادة إنتاجه من جديد، بل خلق «الشفاء» الثاني موازيا للأول وكأن ابن سينا قد بعث من جديد بعد ما يقرب من ألف عام، مستبدلا بأرسطو هيجل، وبسقراط هوسرل، وربما بالطبيعيين الأوائل وبالمدارس الأخلاقية بعد أرسطو كارل ماركس. وبدلا من أن تكون الحكمة ثلاثية: منطقية وطبيعية وإلهية، تكون أيضا ثلاثية: الشعور الخالص، والشعور بالآخرين، والشعور بالعالم، ثلاث دوائر متداخلة، مركزها الوعي، وحولها دائرتان، الدائرة الإنسانية وعالم الأشياء كما هو الحال عند هوسرل.
73
وبدلا من أن تنتهي الحكمة بالإلهيات، وتتوزع الإنسانيات، بدأها إخوان الصفا تحت اسم الناموسيات أو الشرعيات من أجل تلبية مطلب ناقص في عصرنا؛ ومن ثم تبرز الحكمة العملية ابتداء من الأخلاق والسياسة والتاريخ.
74
صفحه نامشخص