من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
ژانرها
ويرى أنكسماندريس أن الأسطقس مادي، عنصر غير متناه، متوسط بين الهواء والنار والماء والهواء. ويثبت خروسيس جواهر كثيرة ابتداء من الواحد، وأوائل كثيرة لكل جوهر أول. والأول والجوهر الأول له آخر ما دام له عظم وكذلك النفس مثل ذلك تكثر، هذا الصراع بين الكثرة والوحدة في تصور الجواهر أي الطبيعة يكشف عن الصراع بين التوحيد والتعدد في الشرح على مستوى الطبيعة وما بعد الطبيعة، وضعها الأصوليون في الأمور العامة في علم أصول الدين، هل هي منطق طبيعة أم ما بعد الطبيعة؟
76
وأنكساجوراس مع الطبيعيين ولكنه يجعل مبدأ الأشياء أكثر من واحد مثل الطبيعيين الأوائل أحد العناصر الأربعة وأكثر من اثنين المحبة والغلبة مثل أنبادقليس بل مبادئ متكثرة، الأجزاء التي لا تتجزأ التي منها يتكون الخليط بالإضافة إلى العقل، وهما في الحقيقة مبدآن؛ الخليط وهو ما يعادل المادة، والعقل وهو ما يعادل الصورة، الفاعل والمنفعل، العلة والمعلول. فالكل مختلط بالكل. الخليط أشبه بالوسيط بين الموجود والمعدوم. ويمكن نقد هذه النظرية أولا بالتساؤل حول هذا الخليط هل هو مادة أم مبدأ؟ الأجزاء التي لا تتجزأ أم مبدأ النسب؟ فإذا كان الخليط مادة فنظرية أنكساجوراس تقوم على الخليط كمادة أو كصورة، والعقل كمبدأ فاعل، وإذا كان الخليط مبدأ فمن ثم تقوم النظرية على مبدأين مثل المحبة والغلبة عند ابن دقلييس. كما يلزم من هذه النظرة ثانيا أن تكون الأجسام المتشابهة الأجزاء أولا، غير مختلطة قبل أن يتحقق فيها الاختلاط. ثالثا إذا كانت الأجسام المتشابهة المختلفة هي الأجزاء التي لا تتجزأ في غاية الصغر كيف يتم الاختلاط بينها؟ رابعا يؤدي إنكار العالم الخارجي الموضوعي والوقوع في الذاتية مثل ديموقريطس وبارمنيدس إلى جعل العقل مزاجا، والشيء عقلا وظنا ووهما مثل رد الكثرة إلى الوحدة، وفي ذلك يشترك أنكساجوراس مع بروتاجوراس، فجميع الأشياء موجودة معا في الضد، والوجود تابع للاعتقاد وليس الاعتقاد تابعا للوجود، وأن الموجودات متقدمة على الوجود، ويظن من قبل الحس أنها متكونه هي ليست كذلك في الحقيقة بل يخرج بعضها من بعض، ولما غاب الوجود الذي هو أساس الموجودات كانت الموجودات بلا أساس.
77
لقد أخطأ أنكساجوراس بقوله إن جميع الأشياء غير متناهية في الكثرة والصغر لأن الكثرة والصغر متناهيان. ولقد اضطر القدماء بقولهم بدوام الكون إلى القول بأشياء موجودة بالفعل غير متناهية مثل أنكساجوراس. كما أن هذا الخليط أشبه ما يكون بالقوة وليس بالفعل. وهو تفسير غير كاف لأن الكثرة تأتي إما من كثرة للهيولى أو كثرة الفاعل، والفاعل واحد وهو العقل؛ ومن ثم فلا يوجد سبب معقول لتفسير الكثرة في العالم وإلا كان العقل بإطلاق. وإذا كان العقل هو المحرك فمن الذي حركه؟ ما هو المحرك الأول؟ أحيانا يعتبره أنكساجوراس الخير، ولكن ما هي العلة الغائية للحركة؟ كما أنه لا يمكن للعقل والخير أن يفعلا الدين معا، الخير والشر.
78
ويقدم ابن رشد تحليلا نفسيا اجتماعيا لأقوال أنكساجوراس ويحلل شعوره. فالعلم دوافع ومقاصد. لما قال أنكساجوراس إن الذي يؤثر اتباع الحق فإن الصواب يلوح في أقاويله فإن ذلك يدل على أن أنكساجوراس كان يريد بفلسفته إما أن يحدث له ذكرا أو يروج بها نصرة رأي مشهور. والأمر الأول لأنه لم توجد في وقته شريعة يحكم بها عليه فيحدث له ضرر كبير. فقد تكون الأهواء البشرية وراء طلب المجد والشهرة، وأن التجرد في البحث والنظر لا وجود له، وأن الفكر هو تشيع لرأي ومذهب، وأن الحقيقة المجردة لا وجود لها. يتصور ابن رشد أن دور الشريعة هو الحكم على الناس ومحاكمتهم واتهامهم إسقاطا من ابن رشد على أنكساجوراس، ويكشف عن واقع الأندلس وأنه واقع كل المفكرين في كل زمان ومكان.
79
ولا تعارض بين تحليل الفكر باعتباره قضايا فكرية كما يفعل ابن رشد أو كتحليل اجتماعي، فالمفكر ابن مجتمعه أو تحليل فكري نفسي اجتماعي. قد لا يكون للميتافيزيقا موضوع خاص إلا إعادة التفكير في المنطق والطبيعة حتى يمكن رؤية المنفذ الذي يتم منه الاغتراب حتى يمكن إعادته إلى الموقف الطبيعي. (ه) بطليموس، أبرخس، أوطوكسيس، فيلومس
ويثبت بطليموس حركات زائدة على ما أثبته القدماء للقمر ولسائر الكواكب مثل حركة المحاذاة للقمر وحركة الأقطار لأفلاك التدابير. على الأقل وضع بطليموس للقمر حركتين زائدتين، وهنا يدخل علم الطبيعة والفلك لتفسير موضوعات ما بعد الطبيعة وكأنها علم واحد؛ الأول طبيعي والثاني اغتراب عن الطبيعة؛ وبالتالي يمكن تفسير ما بعد الطبيعة لأرسطو بالحالة الراهنة للعلم في عصره، فالميتافيزيقا امتداد للعلم. يمثل بطليموس الفكر العلمي في حين يمثل الطبيعيون الفكر الميتافيزيقي.
صفحه نامشخص