من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع

حسن حنفی d. 1443 AH
182

من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع

من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع

ژانرها

173

ومثال المواقع المتضادة بين اللسان والضمير أن يقول قائل حاثا على اجتناب الخمر إنها رجس، وإنها محرمة ومفتاح الآثام باللسان، ويقول آخر إنها تنفع المرء في صحته وتجيد خلقه وذهنه في الضمير، ويضرب المثل على الخصومة في قدر الجور على من جار دون رفع ذلك الحاكم على وجود نفس الاختلاف «عند الفقهاء في ملتنا».

والتصديقات غير الصناعية أي التي لا تكون عن قياس خطبي أكثر تعلقا بالمشاجرية أكثر من تعلقها بالمشاورية والمنافرية وهي خمسة: السنن، والشهود، والعقود، والعذاب، والإيمان.

السنن نوعان: خاصة وهي السنن المكتوبة وعامة وهي السفن غير المكتوبة مثل بر الوالدين وشكر المنعم؛ الأول يكون الفعل فيها إلزاما، والثاني طوعا واختيارا. وبينهما يقع الحجاج، الاحتجاج بالعام ضد المكتوب لدرجة التأويل والتزييف للمكتوب لدرجة إعطاء الأولوية للشفاهي على المدون. العام للخاصة والمدون للعامة، العام ملائم للطباع والخاص قاس وشاق على الناس، الالتزام بالعام أفضل، وترك المكتوب أنفع، العام أبدي والخاص وقتي كما هو الحال في ضرورة دفن الموتى، العام يقيني والمكتوب ظني، ومهمة الحاكم التوفيق بين السنتين وهو ما يحاوله الفقهاء أيضا. وربما هو التعارض الشهير في الفقه بين أهل الرأي (السنة غير المدونة) وأهل الأثر (السنة المدونة). وفي حالة استحالة الجمع يتم التوقف حتى تتبدد شبهة الاستحالة . فإذا كانت السنة العامة هي سبب التضاد قيل إنها مبدلة مزيفة تحتاج إلى استنباط وتحديد. وفي هذه الحالة تكون الأولوية للسنة المكتوبة. السنة العامة تقتضي حكما عاما بديهيا متفقا مع تجربة البشر مثل «أحسن إلى مثل من أحسن إليك.» والسنة المكتوبة ملزمة وإلا فلا فائدة من وجوبها. ميزتها أنها من وضع أهل الصناعة، وأنهم هم حكام المدن وأصحاب القوانين.

174

فالسنة تعني هنا القانون وربما ترجمة له. فبعض المدن لا تبيح السنة فيها التكلم بين يدي الحكام بالأشياء التي تخيل الحكام وتستعطفهم إلى أحد المتكلمين بل تبيح فقط الأمور التي توقع التصديق فقط. فمن المدن فريقان؛ الأول من يريد تثبيت السنن التي يؤدب بها أهل المدينة، والثاني يمنع ذلك. وبعض الظلامات وما ليس بظلامات فيه سنن، وبعضها فيه سنن مكتوبة أو غير مكتوبة لرسم العدل والجور، والخير والشر، الخير بحسب السنن غير المكتوبة هي الأفعال التي تنال الحمد والتكريم. والشر بحسب السنن غير المكتوبة هي الأفعال التي تنال الذم والاحتقار. أما الخير والشر في السنن المكتوبة فإنهما ثابتان دون زيادة أو نقصان، ينطبقان على الجميع، زيادة الخير حسنة وزيادة الشر سيئة. ولا يمكن وضع سنة عادة واحدة لكل الناس في جميع الأزمنة والأمكنة. بل تكون منفعتها لأطول زمان ممكن. الظلم في السنن غير المكتوبة أي تعديلها أعظم من الظلم في السنن المكتوبة. فالسنن غير المكتوبة شيء اضطراري طبيعي مثل بر الوالدين، وشكر المنعم. أما السنن المكتوبة فليست اضطرارية. وتعديلها أيضا ظلم عظيم، ويضرب المثل بالسنة على الاشتراك في الخير والشر. فللتهوين على أحد أمر السنة فيقال له إن فلانا خالفها فلم يضره شيء أو لتعظيمها بأن يقال إن فلانا تمسك بها فدام سلطانه.

175

والأمور الخارجية أي قوانين المدن خارج صناعة الخطابة. ويترك الأمر لصاحب الشريعة لتحديد العدل والجور. وهو ما يحتاج إلى زمن طويل لأنه لا يمكن لصاحب السنة أن يصنعه وحده. والتشاجر حول السنن ليس بها نفع كبير لأنها تضع ما هو عدل وما هو جور، ولا دخل للخطابة فيها ؛ لذلك لا يجوز الخطابة أمام الحاكم في موضوع قدرته السنن ووضعه صاحبها، والنظر في وضع السنن ليس يسيرا في المدن بالرغم من أن المدن يسلم وجودها بالسنن. وواضعها ينبغي أن يعرف أصناف السياسات وأنواع السنن النافعة في كل منها حتى لا يدخل الفساد على المدينة؛ فقد تفسد المدينة بسبب فساد السنن باستثناء المدينة الفاضلة، إذ كانت السنة مفرطة في اللين أو مفرطة في الشدة، فضيلة الاعتدال الإسلامي، واستئناف التراث الفارابي، كما ينبغي لواضع السنن معرفة السنن السابقة والاستئناس بها أي تاريخ التشريع. فالحاضر ما هو إلا تراكم للماضي ومعرفة أخلاق الناس وعاداتهم حتى تتحقق السنن النافعة لجميع الأمم مهما اختلفت طباعها. هذا في صنعة السياسة وليس في صنعة الخطابة. والسنن نافعة خاصة بالسياسات. ولا مجال للإقناع الخطبي بها. تصديقها في منفعتها. وهي السنن العادلة حتى ولو اختلفت السياسات، والسياسات أربع: الجماعية، والخسة، وقوة التسلط، والوحدانية أي الكرامة عودا إلى الفارابي وأفلاطون وتلخيص السياسة. وهي سنن موضوعة له تتبدل على مر الدهور مثل سنتنا الإسلامية، السنن سياسة أما الأقاويل المدنية فخطابة.

176

وتتراتب السنن بعضها فوق بعض. فكل سنة لها سنة تفوقها.

صفحه نامشخص