از نقل تا خلاقیت (جلد اول نقل): (۲) متن: ترجمه – اصطلاح – توضیح
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق
ژانرها
107
وفي الشرح اليوناني هناك حذف وإضافة وتبديل بالنسبة إلى الأصل المشروح، دون اعتبار ذلك خلطا أو لبسا، سواء كان ذلك من الشارح أو من الناسخ؛ وبالتالي فإن اختيار المستشرق الغربي أو العربي من الترجمة العربية، ما يوافق النص اليوناني، واستبعاد ما يزيد، هو إغفال للترجمة كنقل حضاري، واتباع لنظرية المطابقة، بل والحرفية التي تغفل الترجمة المعنوية. وقد تختلف الرؤية الحضارية بين المترجم القديم والمترجم الحديث؛ فبينما الآداب عن القدماء تدخل في علوم النحو واللغة، فإن الآداب عند المترجم الحديث قد تعني الأدبيات، والتي تشمل العلم. وأحيانا يتربص المستشرق بالمترجم العربي القديم، ويتصيد له الأخطاء لإثبات أنه لم يحسن فهم الثقافة الغربية في مصادرها الأولى، وأن الأوروبي وحده هو سليل اليونان، وهو الوريث لحضارتها الفاهم لمعانيها والناشر لنصوصها، وتبعه في ذلك المستشرقون العرب.
108
ولما كانت الترجمة المعنوية أوضح من الترجمة الحرفية، فمن الطبيعي أن تكون الترجمة العربية أوضح من الأصل اليوناني. ومن طرق الوضوح التركيز دون الإسهاب؛ فالحكم بالتحريف والنقص وسوء الفهم حكم عام، يغفل الترجمة باعتبارها نقلا حضاريا. الترجمة العربية تركز على المعنى وتعيد التوازن إليه، وتوجهه نحو القصد الحضاري الكلي للمترجم.
109
إن الترجمة نقل حضاري، ليس المقصود من نشرها تحقيقها ومراجعتها على أصلها اليوناني، كما فعل الاستشراق الغربي الحديث في حموة البحث عن الأصول، ومعرفة مصير هذا النص الأول الخالص بين أيدي الشراح اليونان والعرب،
110
فهذه عمليات متتالية بعد الترجمة لها وظائف أخرى في التحول من النقل إلى الإبداع. ويصل الأمر إلى حد زيادة عدد المقالات الأصلية للكتاب أو نقصانها؛ إذ يتألف مخطوط نيقوماخيا من إحدى عشرة مقالة بدلا من عشرة؛ فقد أضيف مقال بين السادس والسابع لإكمال المعنى والربط بين الأفكار، خاصة وأن القسمة إلى مقالات من صنع التلاميذ.
111
ولا يجوز للناشر الحديث الحذف في الترجمة العربية القديمة، متصورا أن المحذوف زيادة لأنها ترجمة معنوية وليست حرفية. ولا يجوز إضافة شيء عليها للإيضاح والإكمال؛ لأن الناشر الحديث ليس له نفس الموقف الحضاري للمترجم القديم. كما أنه يضيف ما يعيبه على الترجمة القديمة؛ فالترجمة كنقل حضاري هي الأصل، والنص المترجم هو الفرع. ولا يجوز إرجاع الأصل إلى الفرع في عملية الإبداع؛ فالغاية ليست إعادة تركيب النص اليوناني، بل معرفة مصيره وتحوله في عمليات التمثل والاحتواء في النص العربي انتقالا من النقل إلى الإبداع، خاصة في النصوص الدالة مثل الأخلاق والسياسة، بل إنه لا يجوز وضع عناوين من الناشر على الترجمة العربية القديمة، من أجل تقسيم النص وتقطيعه وتقليد الناشر الغربي؛ فقد قام بذلك المترجم القديم بعبارة قال أرسطو. ودلالة تقطيع النص هي التعامل معه باحترام كامل كنص قرآني، دون الخلط بين المقروء والقراءة، بين المشروح والشرح، مع تمايز واضح بين الموضوع والذات، بين الآخر والأنا. لا تعني عبارة «قال أرسطو» إذن أي تبعية لأرسطو كما قال المستشرقون، بل هي عادة موروثة مثل «قال الله»، «قال الرسول»، وأيضا في أسلوب الاعتراض «فإن قيل»، «فإن قال قائل». تقطيع النص إلى وحدات تساعد على بلورة المعاني وترتيب الأفكار، مما يسهل بعد ذلك عمليات الهضم قطعة قطعة، والتمثل والإخراج والتحول من النقل إلى الإبداع. وقد يكون القول منسوبا إلى أرسطو أو المترجم أو ليس إلى أحد أو أسلوب السؤال والجواب كما هو الحال في تدوين الفقه. وأحيانا ينسب القول إلى ضمير المتكلم الجمع وكأن الوعي الضروري للمترجم إنما هو ممثل لوعي حضاري جمعي.
صفحه نامشخص