از نقل تا خلاقیت (جلد اول نقل): (۲) متن: ترجمه – اصطلاح – توضیح
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق
ژانرها
وقد تغيب من لواحق المقولات ألفاظ أخرى، تظهر في الشروح؛ فالتقابل والتضاد ضدهما التساوي والهوية والتشابه، والتقدم يحيل إلى التأخر، والمعية تحيل إلى التتالي، والحركة تشير إلى السكون؛ فهي كلها أسماء بالإضافة أو بالضد. وقد يتحول الموضوع من حالة خاصة إلى حالة عامة؛ فالمتقابلات هي التقابل، ومن الجمع المتقابلات إلى المفرد التقابل، حتى يصبح الموضوع عقليا صوريا خالصا يعبر عن بنية العقل؛ فهي مقولات خارج العشرة؛ أي خارج الجوهر والأعراض، تتعلق بعلاقات أخرى مثل الشيء في مقابلة، الشيء وضده، الشيء في الزمان (التقدم أو التأخر) أو في المكان (المعية أو التتالي). علاقة الهوية والاختلاف، والهوية والتضاد تعبر عن قوانين العقل الثلاثة: الهوية والاختلاف والثالث المرفوع، أو عن الشيء في التاريخ، التقدم والتأخر، والمعية والتتالي. وقد تحول ذلك في الحضارة الناشئة إلى التقدم والتأخر وأنواعه بالرتبة أو الشرف وإلى أنواع الأضداد؛
12
فالتقدم أكثر من أربعة أنواع: الزمان، والوجود، والرتبة، والشرف. هناك تقدم بالعلية، وتقدم الفكر على الوجود، وتقدم المفهوم على الماصدق أو العكس، التقدم بين الحكم والشيء، بين المحمول والموضوع. وهناك التقدم المنطقي، تقدم الأجناس على الإطلاق.
13
وفي أنواع الحركة يظهر التضاد في ستة مقولات: التكون والفساد، والنمو والنقص، والاستحالة والتغير في المكان. ويبدو أن المنطق ليس بهذا التجريد، إنما هو نظير لواقع حسي، ويظهر ذلك في سؤال: هل الكلية مقولة أم علاقة؟ وآثار ذلك على الملكية في إثباتها؛ لأنها جوهر أو لأنها علاقة بدليل نفي ملكية الزوج للزوجة.
14
وفي كتاب «العبارة» يبدو المنطق كنظرية في الفكر بديهية هندسية، تبدأ من الأخص إلى الأعم؛ فالمقولات تمثل الألفاظ، والعبارة القضية، والقياس العلاقة بين قضيتين، والبرهان شرط أن تكون العلاقة منتجة صحيحة في منطق اليقين. وفي منطق الظن قياس آخر. يهدف الجدل إلى التمويه، والسفسطة إلى المغالطة، والخطابة إلى الإقناع، والشعر إلى التخييل. وهندسيا المقولات هي النقطة، والعبارة مجموع النقاط التي تكون خطا، والقياس خطان متوازيان، والبرهان الموازيان لثالث متوازيان. وعلى هذا النحو يكون المنطق نظرية في الفكر تقوم على البداهة الهندسية. ويكون السؤال: هل يمكن تصور نظرية أخرى في المنطق أو قسمة أخرى غير ثنائية ثم رباعية، أم إنها قسمة عقلية يتقبلها كل عقل، إنسانية عامة، وليست يونانية أرسطية بالضرورة؟ والحديث هنا عن منطق الفكر وليس منطق الواقع؛ أي عن نظرية الاستدلال، الفكر مع نفسه أو الجدل، الفكر في حوار مع الآخر؛ فالواقع مفهوم جديد في الحضارة الناشئة أولا ثم رد فعل في الحضارات الغربية الحديثة ضد الفلسفة المدرسية ثانيا. وقد اتبع الأصوليون القدماء تحليل الألفاظ والقضايا، ليس لأنهم عرفوا المنطق القديم، بل لأن الحضارة الجديدة تقوم على اللغة والكلمة، اللغة في الشعر والكلمة في الوحي. والبدء بتعريف الألفاظ وحدودها، هي بداية طبيعية للفكر في تحديد معاني الكلمات، موازيا للمنطق القديم وليس تابعا له؛ فأرسطو هو الأصولي وليس الأصولي هو أرسطو، الفرع لا يكون أصلا، والأصل لا يكون فرعا. ليس النظر على مستوى تاريخي في الأسبقية في الزمان، بل على نحو حضاري؛ أي التمايز بين الأنا والآخر، بل إنه في حالة النظر التاريخي فإن آدم، في الحضارة الناشئة، هو أول البشر، وهو الذي عرف الأسماء كلها وراجعها، وتحقق من صدقها وحسن استعمالها. مبحث الألفاظ إذن هو المدخل اللغوي للمنطق، يليه بحث المعاني؛ فالصوت دال على الآثار التي في النفس،
15
وهو ما قرره الأصوليون جميعا بل والحكماء والصوفية والنحويون والبلاغيون، وما يتفق مع الحس السليم؛ لذلك ارتبط كتاب «العبارة» بكتاب «النفس». والصدق والكذب في العبارة؛ لأنها في التركيب والتفصيل؛ أي في شكل القضية وصورة الفكر، وليست في مضمونه بالمطابقة مع الواقع، النفسي أو الفعلي، المطابقة مع الواقع رؤية جديدة للصدق في الحضارة الناشئة أولا تأكيدا للعالم، ثم في الحضارة الغربية الحديثة ثانيا اكتشافا للعالم وللمصدر الطبيعي للمعرفة ورد فعل على إنكاره في الفلسفة المدرسية. أما الأقوال الخطابية والشعرية فإنها خارج الصدق والكذب بهذا المعنى الطبيعي؛ فالمقصود منها الإقناع والتخييل وإحداث الأثر في النفس. وقد يتم التضحية بالنحو في سبيل الشكل الهندسي للقول، وهو ما يبدو من أشكال القياس اللامتناهية الأقرب إلى المربعات الهندسية؛ حيث يظهر فيها الإنسان مجرد لفظ في قضية، ونقطة في خط، وخط في خطوط متوازية؛ مما دفع بالأصوليين إلى نقد الصورية والعودة إلى الواقع، وتكامل المنطق في الخبرة البشرية العامة. ولو برع الفلاسفة المسلمون في اكتشاف أشكال جديدة للقياس مثل الشكل الرابع، أو تعديل أشكال قديمة بالضم أو الفصل، بالحذف أو بالإضافة، فإنما يتم ذلك أيضا باسم العقل وبمزيد من الإحكام العقلي. وعمل العقل على نفس مستوى ثقافة الآخر لضمه واحتوائه كحليف وليس كغريم، كصديق وليس كعدو. والحقيقة أن الموقف الأول مكمل للثاني في مهمتين متمايزتين، الضم والرفض، الاحتواء والنقد، الجذب والطرد.
16
صفحه نامشخص