فأما ما اسعنت به في مهماتك، وتقويت(1) به واستعنت به في ساعات حاجاتك، في إصلاح الإسلام والمسلمين، وهايبت به من كان مثله من الظالمين، واستعنت به على من هو أفجر منه، وأنت له شانئ، ومنه متبرئ، وبه غير واثق، تكتمه أسرارك، وتجمل لديه أخبارك، لا تستحل له مناكحة، ولا تأكل له ذبيحة، ولا تقبل له شهادة، ولا تأتم به في صلاة، فكيف تكون له متخذا عضدا، وتكون له وليا مرشدا؟ هذا ما لا يغلط فيه إلا الجهال، وإلا من أعمى الله قلبه من الرجال، فهو يتكمه في عمايات الضلال، يدعو الليل نهارا والنهار ليلا، والعدو وليا والولي عدوا، ينحل كل واحد منهما نحلة ضده، ويدعو كلا بغير اسمه.
وأما ما سألت عنه من استعانة المحقين بالظالمين، في طاعة رب العالمين لمحاربة المحاربين؛ فإنا لانستحل غيره في مذهبنا؛ لأن الاستعانة بالظالمين على من حارب الحق والمحقين؛ واجب على المسلمين، لا يسع أحدا تركه، ولا يجوز رفضه، إذا صار الإسلام إلى ذلك محتاجا، وكان الحق إليه مضطرا، إذا جرت عليهم(2) أحكام الإمام ومن في عصره من خدم الظالمين وأعوانهم، الذين استعان بهم في وقت حاجته لهم.
ونقول: إن فرض ذلك يجب من وجهين:
فأما أحدهما: فإنه لا يحل للإمام أن يقتل الإسلام ويضيعه، ويمكن عدوه منه، وهو يجد إلى غيره سبيلا، وعلى إجابته معينا، تجري أحكامه عليه؛ لأنه إن امتنع من الاستعانة بهم في وقت ضرورته، ظهر من هو شر ممن كره الاستعانة به على الإسلام فأهلكه.
صفحه ۷۸۸