وعرف داره من لم يكن يعرف من المعجبين والمعجبات، فكثر زائروه وزائراته، وراح يقتضي الناس ثمن إعجابهم بفنه لذائذ وشهوات!
وتدحرجت الكرة على المنحدر المائل، واستمرت تهوي ... وصار أبغض شيء إلى سامي أن يجلس إلى كتاب أو يتناول قلما ساعة من ساعات الليل أو من ساعات النهار! ... ورأت رشيدة صديقتها سعاد تسألها ذات يوم: «أين سامي؟ منذ بعيد لم نسمع منه أو نقرأ له ...!»
وابتسمت رشيدة وسكتت، كشأنها في يوم مضى، ثم أطرقت وعضت على شفتها تحاول أن تحبس زفرة ... ونهضت الزائرة، وخلت رشيدة إلى نفسها تبكي، وخيلت لها أمانيها أنه هناك، في غرفته، يقرأ أو يكتب، وأنه يوشك أن يفرغ من موضوعه فيهتف بها: «رشيدة، تعالي اسمعي ...!» كما كان في ليلة منذ ليال، ولكنه لم يفعل؛ لأنه لم يكن هناك ...
وانحدرت على خدها الدمعة التي حبستها طويلا، فانقشعت عن عينيها الضبابة الدكناء، وتلاشت الأشباح والصور التي تتابعت على عينيها برهة من خلل الدموع كأنها صور من الحياة الناطقة، ورنت في أذنيها دقات الساعة: تن. تن. واستيقظت، وكانت لم تزل مرتفقة إلى المذياع تنتظر أن تسمع صوته ... ليردها لحظات إلى ماضيها ...
ورن صوته في مسمعيها آتيا من بعيد، كأنما يخترق الزمان والمكان في وقت معا، وسمعت صوتا نديا رطبا يتحدث في وداعة ولين كأن بينه وبين كل قلب وترا يهتز ... ولم يكن يتحدث إليها وحدها، ولكنها وجدت برد حديثه على قلبها كأنما يتحدث إليها في خلوة، وإنه مع ذلك لبعيد بعيد لا تناله اليد ولا يمتد إليه النظر، ودمعت عيناها دمعة أخرى وهتفت فرحانة: «يا سامي، عد إلي!»
وكأنما استمع سامي إلى ندائها على البعد البعيد، فرنت كلماته في أذنيها كأنها جواب النداء حين قال في ختام حديثه: إلى اللقاء!
والتقيا ...
عودة الماضي
خلت «هدى» إلى نفسها تتدبر أمرها وتزن ماضيها وحاضرها. كانت تشعر أنها قادمة على أمر ذي بال، وأنها الساعة في مرحلة بين مرحلتين من حياتها، وثمة طريقان عليها أن تختار أيهما تسلك، فإما إلى سعادة تنسيها الماضي بما فيه من لذة ونشوة وسحر، وإما ...
ولكنها لا تعرف السعادة إلا ما كانت فيه من قبل، فما هذا الجديد الذي يحاول أهلها أن يزينوه لها ويحملوها عليه؟
صفحه نامشخص