وأحس إبليس مرة أخرى أن قانون البشرية يعمل في دمه وأعصابه، وأطال النظر إلى الحسناء الفاتنة، ثم أطبق عينيه كأنما توهم أنه قد احتوتها أجفانه، وشعر بمس الحب في قلبه فأشرق وجهه بابتسامة هادئة فيها لمحة من السرور وغير قليل من الألم.
وجلست الحسناء جلستها على العشب غير بعيد، وضمت إليها أطراف ثوبها يستر شيئا ويكشف عن شيء، مستأمنة مطمئنة.
وخطا إبليس خطوتين إلى حيث جلست يسألها شيئا، فاستحيت حواء الصغيرة وأرخت فضل ثوبها على الوجه الفاتن، ووقف إبليس ينشد قصيدة غزل طويلة وعتها حواء كلمة كلمة ومعنى معنى ولكنها لم تنبس، ومد إليها يدا يستنهضها فما نهضت وازورت عنه معرضة، وسكت ولكن عينيه ظلتا تتحدثان حديثهما ...
واربد وجه المرأة من غضب، فما رأى إبليس غضبتها إلا فنا جديدا من فنون جمالها؛ فدنا منها وعلى شفتيه ابتسامته، فقالت وقد ضاقت به: «إليك عني يا فتى وخل سبيلي ...!»
وضاق صدر الشيطان بهذا الإنسان العنيد، وثقل عليه أن يعجز عنها وهو هو!
كم أنثى قبل صاحبته هذه كانت من عباده وأتباعه، ما تأبت واحدة منهن على ما أراد لها، على أنه اليوم يريدها لنفسه هو، فليس به اليوم حاجة لأن يسعى لغيره وقد خلع عنه شيطانيته ...!
ماذا ...؟ أيعيش هذه الآلاف من سنيه الماضية يتحكم في البشرية كلها، ويملي إرادته، ويسعى بين الناس، ويصل بين الأحباب، ويقدم الثمرة لكل من يشتهيها؛ حتى إذا اشتهى هو أن يذوق تلك الثمرة أعجزه أن ينالها ...؟
وللمرة الثانية منذ خلق، شعر أن كبرياءه جريح ...
لقد أبى أن يسجد لأبي البشرية كلها وفسق عن أمر ربه، أفتفسق عن إرادته امرأة؟ وما هو إن لم يغلبها على نفسها؟ وما هي حتى تتأبى عليه كل هذا الإباء؟
وعاود احتياله يستجدي الحسناء بعض الرضا؛ فولت عنه معرضة مستكبرة، ومضت تدوس بقدميها الصغيرتين قلب إبليس ...!
صفحه نامشخص