من حديث النفس
من حديث النفس
ناشر
دار المنارة للنشر والتوزيع
شماره نسخه
الثامنة
سال انتشار
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
محل انتشار
جدة - المملكة العربية السعودية
ژانرها
يا سادة: إنه كان لي في حياتي عيد واحد، ولكن طمَسَ القِدَمُ صورتَه في نفسي فلا أرى منها إلاّ ملامح. لقد وجدت عيدي في (صُرْماية) (١) حمراء أصبحتُ يومًا فلقيتها إلى جانب الفراش. وكنا نبسط الفرش وننام على الأرض، لم تكن قد انتشرت هذه الأسِرَّة وعمّت، لم تكن إلاّ للأكابر، ولقيت معها (قمبازًا) من (الألاّجة) (٢)، له خطوط حمر على أديم أخضر كأنه حقل قمح قد نبتت فيه سطور من شقائق النعمان، وعقالًا «مقصَّبًا» كأنما قد نُسج بخيوط الذهب، يبرق كأنه تاج ملك جديد، وعباءة رقيقة فيها مناطق حمر وأُخَر بيض وحواشٍ من القصب اللمّاع، لها طُرَر مختلفات الألوان تخطف ببريقها النظر.
فلم أصدق أن ذلك كله لي أنا، وسألت متحققًا. فقالوا: إنه لك، إنه لباس العيد. قلت: وما العيد؟ قالوا: العيد؟! ألا تعرف العيد؟ فلم أعرفه، ولكني قنعت بما وجدت من نعمائه، وتخيلته ضيفًا جميلًا نزل البلد.
وذهبنا نبصر العيد، ومشينا في الطرقات، وإذا الوجوه باسمات الثغور منبسطات القسمات، فكأن أصحابها قد لبسوا مع الثياب البراقة الزاهية حلّة من اللطف والظرف، ولم نرَ -نحن الصغار- مَن يزجرنا ذلك اليوم عن حماقة نأتيها أو ذنب نذنبه، بل وجدت كل من أسلم عليه من أقربائي وأصحاب أبي يعطيني نقودًا «نحاسات» صفرًا لامعات كالدنانير، و«مَتاليك» جددًا (ولم
_________
(١) الصرماية: كلمة شامية معناها «الخف».
(٢) نسيج شامي هو الذي تُصنع منه قفاطين مشايخ مصر.
1 / 90