من حديث النفس
من حديث النفس
ناشر
دار المنارة للنشر والتوزيع
شماره نسخه
الثامنة
سال انتشار
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
محل انتشار
جدة - المملكة العربية السعودية
ژانرها
إن للمظلوم كلمة وهذه إحدى كلماتي، فإن كانت فخرًا فقديمًا كان الفخر من فنون الأدب العربي، وإلاّ فهي ذكرى وتأريخ لأخلاق الناس وأطوار المجتمع.
وكيف أنسى أنّي بين ماض أضعت فرصه ونسيت ذكرياته وفقدت فيه ذخرًا من العواطف الجياشة والشعور المضطرم ... وحاضرٍ بدّدتُ أيامه بالرجوع إلى الماضي، وصرفت بكره وعشاياه في نبش الذكريات والبحث في أطلالها عن الجواهر والكنوز، فما كان إلاّ أن دفنت فيها كنز حياتي وجوهر عمري ... ومستقبلٍ لم أعد أرجو منه شيئًا لأني يئست من أن يأتيني منه خير.
ومن يصدّق أني أتمنى لو كنت غبيًا جاهلًا عييًّا لأستريح وأهنأ، لأني وجدت الذكاء يدفع إليّ الألم ويؤدي إلى الشقاء، وأني لأهمل القراءة عمدًا كي أنسى ما علمت، فأغدو جاهلًا فلا آلم إن تقدمني الجهال من أمثالي ولا ألوم الحياة على ظلمها إيّاي ... فلا أستطيع، وأراني مدفوعًا إلى الازدياد من هذا العلم، كأنّ القدر يسوقني بعصاه إلى الاستكثار من القراءة، فأزداد بالعلم ألمًا حين أرى علمي وَبالًا عليّ وأرى الجهّال يسبقونني ويسرقون منزلتي! ولو أني استبدلت بإحياء الليالي في المطالعة والدرس وثني الركب بين أيدي العلماء رحلةً واحدة إلى (تلك) الديار أعود منها بعد شهرين بشهادة في اللغة العربية لم تكتب سطورها بالعربية لكان ذلك خيرًا لي وأجدى عليّ من علوم الأرض كلها لو حصلتها.
ولكني كرهت أن أتوكأ في سيري إلى غايتي على غير أدبي، ونزّهت نفسي عن أن أجعل عمادي ورقة صار يحملها الغبيّ
1 / 126