من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
ژانرها
ليس التأليه موضوعا مجردا خالصا، بل هو شيء يوصف ويلمس، شيء موجود بالفعل وليس مجرد موضوع عقلي. لا يوجد في التشبيه مشكلة كيفية الخروج من عالم الأذهان إلى عالم الأعيان كما هو الحال في التنزيه؛ لأن المؤله موجود من قبل في العالم في صورة حسية مرئية. لا يوجد المؤله كلما بعدنا عن العالم، بل يوجد كلما قربنا منه. فالمؤله هو العالم الضائع والتعويض عنه بالعالم الممسوك. (5-6) مخاطر التشبيه
ولكن من ناحية أخرى يمثل التشبيه عدة مخاطر، أهمها: (1)
التشبيه إسقاط من الذات على الموضوع، ولكنه إسقاط من أسفل إلى أعلى. يرى الإنسان في موضوعه التأليه ذاتا تشبه ذاته، ويرى فيها صورته الخالصة، ظانا أنها صورة موضوعية لوجود موضوعي. يرى فيها مشاكله الخاصة ظانا أنها مشاكل موضوعية كمن ينظر إلى السحب فيجد فيها صورا وأشكالا لما تعود أن يراه في حياته على ما هو معروف في التجارب النفسية للكشف عن مكونات الشخصية وسماتها. وبالتالي يمكن القول: «إن الذات خلق الموضوع على صورته ومثاله.» التشبيه إعدام للموضوع وتحويل الذات نفسها وقسمتها إلى ذات وموضوع، وبالتالي خروج الموضوع من الذات. (2)
في التشبيه يتحول الكلام إلى شخص، وتتحول اللغة من نطاق الفكر إلى نطاق الشخص، في حين أن اللغة حامل للفكر، والفكر مستقل عن الأشخاص. التشبيه خطأ في استعمال اللغة وفي معرفة وظيفتها، وخلط بين مستويات اللفظ والمعنى والشيء. وبالرغم من أهمية ظهور المادة في التشبيه إلا أنها تظهر في غير موضعها. فموضع المادة في اللغة وفي الصورة وفي الشخص وفي الشعور وفي الفكر مع أن المادة صورة مصغرة ومحدودة للواقع العريض، مادة من خلال تجربة معاشة تكشف عن العالم وتحيل إليه. التشبيه خطأ في نظرية اللغة وعدم دراية بوظيفتها في التعبير، وخلط بين أنواع الخطاب التقريري منه والإنشائي، فأسلوب الوحي لا يهدف إلى إثبات شيء مادي، بل يستعمل الصورة الفنية للتأثير النفسي من أجل إعطاء تصورات للعالم وبواعث للسلوك. (3)
يؤدي التشبيه إلى الوقوع في الخرافة بعد زحزحة العقل وفقدان سلطانه، والاعتماد على الخيال، وتحويل الموضوعات من الوضوح والبداهة إلى نطاق السر والمجهول. وأسلوب التشبيه ليس أسلوبا علميا للتعبير عن مضمون العلم. استعمله القدماء لأنه متفق مع منهج العلم في عصرهم، وهو التأمل أو السحر، ومع موضوعات العلم حينذاك مثل العالم والكون وغيرها من الموضوعات الكونية العامة. ويمكن وصف أسلوب التشبيه على النحو الآتي: (أ)
يستبدل التشبيه بالشيء غيره. فبدلا من الحديث عن الشيء يتحدث عن الصورة، ويغرق في وصف الصورة، ويناضل من أجل الصورة. والصورة شيء، والشيء شيء آخر. التشبيه معركة في الهواء تحدث في الخيال مع طواحين الهواء. (ب)
التشبيه فكر وصفي خالص، يصف الشيء من الخارج، وليس فكرا تحليليا أو يقوم على التجريب لكشف جديد. هو أقرب إلى تحصيل الحاصل وتكرار الذات لما تعرف على نحو آخر، من الإحساس الذاتي إلى الرؤية الموضوعية للذات. (ج)
التشبيه يتناول الشيء ككل، ويعطي أحكاما كلية عليه، ولا يقوم بتحليل الأجزاء بغية الدقة والموضوعية من أجل إصدار حكم. (د)
أقصى ما يصل إليه التشبيه هي النتائج العامة التقريبية وليست النتائج المحددة التي يصل إليها الباحث عن طريق التعريف الجامع المانع أو القياس الدقيق. يقينه ذاتي يعتمد على دقة الصور والقياس بين الدلالة والشيء، وهو ما يستحيل عملا نظرا للفرق بين الدلالة والدال في الرؤية والإيحاءات. (ه)
يقوم التشبيه على الخيال دون العقل، وهو أقرب إلى أسلوب الفن منه إلى أسلوب العلم. غايته التأثير في النفس كالخطابة وليس إعطاء وصف علمي للواقع بالبرهان. فالتشبيه أقرب إلى تاريخ الفن منه إلى تاريخ العلم، والمشبهة فنانون دون أعمال فنية، شعراء دون نظم، ورسامون دون لوحات. (و)
صفحه نامشخص