من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
ژانرها
121
تجسيما للنور والظلمة. وهذه الشعرة السوداء نور أسود. والنور مادة أشرف من الشعر، وأكثر شفافية وإثارة للخيال. ومع ذلك لا تجوز عليه الحركة والانتقال لأن الثبات أكثر عظمة من الحركة. النور هو التأليه من خلال الضوء، فالضوء أكثر الأجسام الطبيعية شفافية وأسهلها في الرؤية. النور مادة ولا مادة، يجمع بين التجسيم والتشبيه والتنزيه. وهي المادة المختارة لتشخيص الآلهة ولتصوير الله كما هو حادث عند الصوفية. ولغة النور والظلمة موجودة في كل دين، ترمز إلى الخير والشر، ويتجسدان في إلهين كما هو الحال في المانوية والزرادشتية. والنور في الصور الدينية شائع في الفن الديني، فيرسم المسيح أو أمه يحيط برأسه هالة من نور. وفي الفن المصري القديم ترمز أشعة الشمس ونورها للوجود الإلهي. وفي المأثورات الشعبية يحيط النور بالملاك وبالقديس، ويستعمل في لغة الترحاب، ويحل بقدوم القريب أو الصديق، ويهل بدنو الحبيب، ويقترب مع شهر الصيام. وكما يكون النور خالصا بلا أجسام ولا أبدان، فإنه قد يتجسم ويصبح نارا تعبد.
122
وقد يقوى النور فيصبح نارا، منها مادة الخلق، وتنسج حولها أسطورة من أساطير الخلق قائمة على تعارض النور والظلمة وعلى درجاتها المتفاوتة، ويصبح المعبود أكثر درجات النور شفافية تعظيما له وإجلالا، وذلك في مقابل الظلمة التي تطرأ عليها الآفات. الحق في مواجهة الباطل، والعدل ضد الظلم، وهو الموقف السياسي الذي توجد فيه جماعة الاضطهاد.
وقد يكون السبب في التجسيم الرغبة العارمة في الحصول على الشيء الضائع، والانكباب على الحس، ومد اليد للقبض على الموجود. فمن يضيع منه الإمام ينكب على بدنه كبكاء الإنسان على فقد عزيز وارتمائه على جثته، وتشبثه بنعشه، وكتمسك الأم بثياب الابن، وكتشبث امرأة العزيز بثياب يوسف. والضائع يذهب يمينا ويسارا، ويمسك بأي شيء رغبة في الاستقرار والهدوء. وفي الحضارات المجاورة لنا الآن التي بدأت برفض كل الموروث لجأت إلى الحس والتجربة من أجل تجسيم الحقيقة الضائعة أو المرفوضة.
123
ومن الطبيعي أن تكون الصورة المثلى للتشبيه هي صورة الإنسان لطبيعة الصلة بين الإنسان والله. فالإنسان بطبيعته لا يدرك الأشياء إلا طبقا لتكوينه، ولا يدرك العالم إلا عالما إنسانيا، فإذا عظم عظم الإنسان مضخما إلى الحد الأقصى. وقد ساعد الخبر على ذلك. إذ إن الخبر يؤكد نفس المعنى وهو «أن الله خلق آدم على صورته ومثاله». لذلك لا يفترق الشيعة عن أهل السنة في إثبات التجسيم بالرغم من اختلاف الدوافع، جماعة الاضطهاد عند الشيعة والخبر الحرفي عند أهل السنة، والخلاف بينهما هو في الدرجة لا في النوع. وبالرغم من التجسيم إلا أنه يبدو أحيانا أن المعبود جسم لا كالأجسام ولحم لا كاللحوم ودم لا كالدماء، وكذلك في سائر الصفات لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شيء،
124
مما يدل على أن التجسيم هو البداية، ولكن قد يكون التنزيه هو النهاية، وأن التجسيم هو الموقف العارض وأن التنزيه هو الموقف الدائم بصرف النظر عما إذا كانت أمثال هذه العبارات المثبتة والمنفية لنفس الشيء تدل على شيء. (4-2) الجسم
ويتدرج التجسيم من صورة البدن ذي الجوارح والأطراف إلى صورة الجسم، أي جسم، ثم إلى صورة الشيء، أي شيء. تكبر صورة البدن وتصبح جسما مجسما، وتختلف تصورات الجسم. فمرة يكون جسما ذا أبعاد ثلاثة، ومرة يكون جسما قابلا للقسمة وللاجتماع والافتراق، ومرة جوهرا قابلا للأعراض. ولكن التصور الذي استقر هو الجسم ذو الأبعاد الثلاثة فهو الأقدر على التصوير في حين أن القسمة تفتيت وتصغير، والجوهر القابل للأعراض تصور طبيعي، وكلاهما دخل من قبل في أدلة إثبات الصانع.
صفحه نامشخص