از عقیده تا انقلاب (۴): نبوت – معاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
ژانرها
عاشرا: مضمون الرسالة
تنتهي النبوة في آخر المطاف إلى كونها رسالة متواترة؛ أي صحيحة تاريخيا، وبعد ذلك يأتي الموضوع الأخير وهو مضمون الرسالة وفحوى الخطاب، وهو الموضوع الذي تناوله علم أصول الفقه، ومع ذلك توجد بعض مواده في علم أصول الدين، ويكون السؤال: هل مضمون النبوة غيبي أم حسي؟ نظري أم عملي؟ عقائدي أم تشريعي؟ وإذا كانت موضوعات النبوة غيبية فهل يمكن إثباتها حسيا؟ وإذا كانت حسية، فهل هي أشخاص انقضى نحبها أم كتب ما زالت متواترة؟ وإذا كانت الكتب فهل هي وسيلة أم غاية. هل الكتب مغلقة على نفسها أم تحيل إلى شيء آخر هو قصدها وغايتها وهدفها الذي هو خارج الكتاب؟ كيف يمكن الانتقال من اللغة لفظا ومعنى إلى اللغة باعتبارها إحالة إلى الأشياء في العالم الطبيعي؟ وهل العالم هو عالم الأشياء أساسا أم عالم البشر؟
وقد ظهر ذلك في العقائد المتأخرة، خاصة في تحديد مضمون الإيمان على أنه إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيره وشره.
1
وهي موضوعات متناثرة يدخل البعض منها في العقليات وقد تم عرضه، والبعض الآخر في السمعيات، والنبوة أولى موضوعاتها. فالله هو الأصل الأول في العقليات، وهو التوحيد في نظريات الذات والصفات، والقضاء والقدر هو الأصل الثاني في العقليات، وهو العدل في حرية الاختيار وفي الحسن والقبح؛ أي الإرادة والعقل. أما الكتب والرسل فهي موضوعات النبوة؛ أول السمعيات، واليوم الآخر هو موضوع المعاد؛ الموضوع الثاني في السمعيات، وتبقى الملائكة وحدها التي لم يتم تناولها في موضوع النبوة إلا بصدد عصمة الأنبياء. ويلاحظ في هذا المضمون أنه يشمل الموضوعات الستة؛ أربعة في العقليات، واثنين في السمعيات، ويترك الاثنان الآخران في السمعيات، وهما: الإيمان والعمل، والإمامة والسياسة، وكأن عمل الفرد ونظام الحكم لا يدخلان ضمن قواعد الإيمان. لا حقوق المواطن ولا اختيار الحاكم يدخلان ضمن إيمان المسلم، فيظل إيمان المسلم نظريا لا عمليا، إلهيا لا إنسانيا، أخرويا لا دنيويا. وإذا كان آخر موضوعين في السمعيات هما التاريخ المتعين؛ أي خلق التاريخ، فإنه من البديهي أن الغاية من إسقاطهما هو إخراج المسلم من التاريخ وسلب عمله وإنكار وجوده؛ ومن ثم يكون إيمان المسلم قمة بلا قاعدة، رأسا بلا جسد، خلودا بلا زمان، وعيا بلا تاريخ، وكأنه روح لا جسم له، مجرد طائر شريد في الهواء، لا مستقر له في أرض أو وطن. وهو ما ترسب في وعينا القومي حتى الآن، وكان أحد أسباب ضياع الأرض من تحت الأقدام، وضياع الثروة من بين أيدي الناس. (1) الموضوعات النظرية (الغيبية) (أ) الله والقضاء والقدر والرسل والكتب واليوم الآخر
وضع القدماء الله أول موضوع للإيمان، فهل الله موضوع النبوة؟ إن الله هو في أصل التوحيد أول موضوع في العقليات ، والعقليات سابقة على السمعيات ومستقلة عنها وغير مشروطة بها، ولا يمكن أن يكون الأصل موضوعا للفرع، أو أن يكون السابق متضمنا في اللاحق، بل إن السمعيات يمكن معرفتها من العقليات؛ وبالتالي يمكن الاستدلال على النبوة من صفة الكلام في موضوع الصفات في التوحيد. يمكن معرفة الله وإثبات وجوده عقلا؛ وبالتالي فهو الأول، والنبوة تبني عليه وتستدل منه. وإذا بان أن الله كذات وكصفات هو الإنسان الكامل كان أول مضمون للإيمان هو الإيمان بالإنسان الكامل، وإذا كان لفظ «الله» في القرآن مقرونا بلفظ «الأرض» في «إله السموات والأرض»، «رب السموات والأرض»، «وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله»، كأن الإيمان بالله هو في نفس الوقت إيمان بالأرض؛ فقد تعود الأرض تحت الإقدام بعودة الأرض إلى الله في قواعد الإيمان.
2
أما القضاء والقدر فقد دخل من قبل في الأصل الثاني، العدل، في العقليات قبل السمعيات؛ فهو من الموضوعات العقلية لا السمعية، وهو إيمان بخلق الإنسان لأفعاله، وليس بالسعادة والشقاء المكتوبين على الإنسان وهو ما زال في بطن أمه؛ «السعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه.» ولماذا اختيار إحدى النظريات وهي الجبر كأحد قواعد الإيمان، وليس نظرية أخرى مثل الكسب أو الاختيار، أو وضع رأس الموضوع ذاته وهو خلق الأفعال مثل الله، دون اختيار أحد النظريات فيه كالتأليه أو التجسيم أو التشبيه أو التنزيه؟ هل تهدف قواعد الإيمان إلى الترويج إلى نظام سياسي معين يقوم على القهر وعلى سلب حريات الناس؟ وهل يمكن أن يؤمن الإنسان بالقضاء على حريته، فيدمر نفسه بيده؟
3
أما اليوم الآخر فلا يكون موضوعا للإيمان؛ لأنه سيأتي في المعاد ثامن موضوع في السمعيات بعد النبوة، وهو لم يثبت بعد في بناء العلم، فكيف يتم الإيمان بشيء مسبق مفترض دون تأسيس أولا؟ وماذا عن تفصيلات اليوم الآخر ابتداء من الموت وعذاب القبر حتى الجزاء؟ هل يدخل ذلك كله في مضمون الإيمان باليوم الآخر؟ وماذا عن هذا اليوم، وما يحدث في هذا الزمان، وما قبل قدوم اليوم الآخر؟ ماذا عن الدنيا قبل الآخر؟ وماذا عن أفعال العباد قبل الجزاء؟ وهل تأتي النهايات قبل المقدمات، والثمرات قبل الغروس؟
صفحه نامشخص