از عقیده تا انقلاب (۴): نبوت – معاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
ژانرها
38
وإذا كان الوحي نوعين، قرآن وسنة، وهناك دليلان آخران إجماع وقياس، فهل يجوز لكل من الأدلة الأربعة أن يكون ناسخا والآخر منسوخا؟ إن الوحي ثابت لا يتغير بإرادة، حتى ولو كانت إرادة المرسل إليه؛ لذلك لا ينسخ القرآن إلا قرآنا، ولا ينسخ القرآن بالسنة على الإطلاق؛ فذاك بيان وتخصيص وليس نسخا. الوحي كما هو موجود في الكتاب قائم لا يمكن نسخه، إما بنفسه أو بسنة.
39
فالنسخ قضية خاصة بتطور الوحي في التاريخ، وقياس النظم على أساس القدرات الإنسانية واستعدادات الواقع، وقد اكتمل الوحي في آخر مرحلة؛ فالمنسوخ الموجود في الكتاب لا يزال قائما، كواقعة، أو كمثل، أو كنموذج، كقانون رخو مماثل لطبيعة رخوة. المنسوخ والناسخ إذن معا واقعة مثالية، وهي تكيف النظم والتشريعات طبقا لدرجة استعداد الواقع. إذا وقع النسخ فإنما يتم داخل كل درجة، الكتاب داخل بعضه بعضا، أو السنة داخل بعضها بعضا، ولكن السنة لا تنسخ القرآن؛ وكيف ينسخ الفرع الأصل؟ والقرآن لا ينسخ السنة؛ فكيف ينسخ الأصل الفرع؟ كيف ينسخ اللاحق السابق، وكيف ينسخ النظر العمل؟ القرآن لا ينسخ السنة؛ لا لأن السنة أصل عليه، بل لأن السنة توضيح عملي لا تحتاج إلى نسخ، والعمل يتغير بتغير الظروف، والسنة لاحقة على القرآن في الزمان. يكون النسخ هنا بيان تفصيل ووجه عبادة، ولا يمكن للقرآن أن ينسخ السنة فكلاهما وحي، وإن حدث فيكون القرآن تصحيحا للسنة وليس نسخا، ولكن يمكن أن تنسخ السنة السنة، ويمكن اعتبار ذلك بيانا مغايرا للبيان الأول، تغيير النظم بتغيير الواقع، وتظل واقعة التغيير نفسها هي النموذج. ولا ينسخ المتواتر إلا متواتر مثله، ولا ينسخ الواحد إلا متواتر أقوى منه، ولا يمكن نسخ المتواتر بالواحد أو الواحد بالواحد؛ فالواحد قد يكون منسوخا، ولكنه لا يكون ناسخا، في حين أن التواتر قد يكون منسوخا بتواتر، ويكون باستمرار ناسخا.
40
ولا يمكن نسخ شيء من القرآن والسنة بالإجماع أو بالقياس؛ فدليل النص، قرآنا أو سنة، أصل، والإجماع والقياس كل منهما فرع، والفرع لا ينسخ الأصل،
41
ولكن يمكن تخصيص عموم النص بالقياس الجلي.
42
ويستعمل النسخ كحل لمشكلة تعارض النصوص. ومع أن التعارض بين النصوص جزء من مادة علم أصول الفقه فيما يتعلق بالتعارض والتراجيح، إلا أنه يبدو أيضا كأحد مشاكل منهج النص. والتعارض لا يكون بالضرورة نسخا، بل قد يكون مجملا ومبينا، عاما وخاصا، مطلقا ومقيدا، مستثنى منه ومستثنى تأكيدا على البعد الشخصي للنص. فالسلوك منه ما تشترك فيه الجماعة، ومنه ما لا يكون إلا شخصيا فرديا خالصا. وقد ينشأ التعارض من وصف لنفس الفعل الفردي، ولكن في حالتين أو في ظرفين مختلفين؛ وهو ما يدل على أن الوحي ليس نظرا فحسب، بل هو وصف للنظر في مواقف عملية، وهو ليس نصا فحسب ، بل هو نص يتحقق في واقع؛ فإذا كان النظر هو الإنسان والوضوح، فإن العمل هو القدرات الشخصية والمتغيرات الفردية.
صفحه نامشخص