از عقیده تا انقلاب (۴): نبوت – معاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
ژانرها
إذا كانت النبوة جائزة؛ أي ممكنة الوقوع، فما الدليل على صدقها بعد وقوعها؟ هل المعجزة دليل على صدق النبوة؟ وماذا تعني المعجزة؟ وما برهانها؟ وما شروطها؟ وما دلالتها؟ وما هي أنواعها؟ وهل هي ضرورية أم جائزة أم مستحيلة؟ وما الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر؟ وهل مستمرة باستمرار النبوة أم منقطعة بانقطاعها؟ لقد ركز القدماء على المعجزة لدرجة أنها أصبحت الموضوع الأول في النبوة، بل وبديلا عنها، فأصبحت الوسيلة غاية والغاية وسيلة، ولم تنج من ذلك حتى الحركات الإصلاحية الحديثة. (1) معناها، وشروطها، ودلالتها (أ) معناها
المعجزة في اللغة مأخوذة من العجز، وهو نقيض القدرة ونفيها، والمعجز في الحقيقة هو فاعل المعجز في غيره وهو الله، وزيدت الهاء للمبالغة؛ فالمعنى الأول للمعجزة هو إثبات عجز الإنسان ونفي قدرته وإثبات قدرة الله ونفي عجزه. المعجزة بهذا المعنى من الله أساسا وليس لها هدف آخر مثل صدق النبي، وكأن الله هو الذي في حاجة إلى صدق ألوهيته وتصديق الناس له، فلا تسمى معجزة النبي إلا مجازا لأن الله هو المعجز حقيقة، وسميت كذلك لأن من ليس نبيا يعجز عن الإتيان بما يظهره الله على النبي، ولكن يظل فاعل المعجز هو الله، وهو القادر على إظهار المعجز على النبي كدليل على صدق نبوته، وعلى من ليس بنبي كدليل على قدرة الله. ولما كانت المعجزات من الله يظهرها على النبي كدليل على قدرة الله، ففي هذه الحالة قد لا تكون دليلا على صدق النبي، بل مجرد دليل على قدرة الله القادرة على إظهار المعجز على النبي وعلى من ليس بنبي.
1
والحقيقة أنه لماذا تكون المعجزة من العجز، عجز الإنسان وقدرة الله؟ هل هذا احترام للإنسان وتعظيم لله أم أنه تعظيم لله على حساب الإنسان؟ وهل تثبت قدرة الله بإثبات عجز الإنسان، وهل عجز الإنسان شرط لإثبات قدرة الله؟ وهل نحتاج لإثبات قدرة الفيل إثبات عجز النملة أو لإثبات قدرة الأسد إثبات عجز الفأر، تعالى الله عما يصفون؟ ألا يمكن إثبات قدرة الإنسان وقدرة الله في نفس الوقت؟ إن إثبات قدرة الله ليس تعظيما له ما دامت على حساب قدرة الإنسان، وإن قدرة الله أعظم من أن تثبت بعجز الإنسان. فإذا كان هدف المعجزة إثبات قدرة مطلقة فوق قدرة الإنسان المحدودة، فهذا ليس غاية الوحي، بل إن غاية الوحي عكس ذلك تماما، إثبات أن لا قدرة فوق الإنسان، وأن الإنسان قادر قدرة مطلقة. غاية الوحي رفض قوى الطبيعة والسيطرة وقوى الطغاة العاتية وقوى البخت والمصادفة وكل القوى غير العاقلة. إذا كانت الغاية من المعجزة إثبات قدرة مطلقة، فهذه لا تحتاج إلى إثبات. إذا كانت الغاية منها إثبات عجز الإنسان أمام القدرة المطلقة فهو كإثبات أن الفيل قادر على سحق النملة، كما أن ذلك موضوع قد سبق إثباته في التوحيد في الصفات، العلم والقدرة والحياة. وكيف يوضع الإنسان والله متكافئين في الإثبات والنفي؟ وكيف تصور العلاقة بينهما عكسية وليست طردية؟ إن الأولى عند إثبات قدرة الله إثبات قدرة الإنسان، فالعلاقة بينهما علاقة الوعي الخالص بالوعي المتعين، علاقة الإنسان الكامل بالإنسان المتعين، فكلاهما وعي خالص والخلاف فقط في درجة التعين، كما أن إثبات عجز الإنسان حطة في شأنه وتجويز العبث والظلم على الله. فكيف يخلق الله إنسانا عاجزا ثم يطالبه بالتكليف؟ وإذا كان الله قد خلق الإنسان على صورته ومثاله، فالأولى أن يخلق الله القادر الإنسان قادرا، ولو كان الإنسان عاجزا لكان الله عاجزا مثله، تعالى الله عما يصفون.
وقد يزاد على هذا المعنى الأول معنى ثانيا يبرز دور المعجزة كدليل على صدق النبي، وهو الغاية من المعجزة، ويجعل هدفها ليس بدايتها قدرة الله، بل نهايتها الدلالة على صدق النبي. وهو تعريف للشيء بعلته الغائية في مقابل تعريفه كما سبق بالعلة الفاعلة؛ لذلك يتم البحث في هذا المعنى عن المعجزات الدالة على نبوة الأنبياء، وفي صفاتها اليقينية، ودلالتها، واختصاص الأنبياء بها، وما يجوز فيها وما لا يجوز، وفي صفة المبعوث وما يتعين به من غيره في أحواله التي يجب أن يكون عليها، كما يتم البحث فيمن تظهر المعجزة عليه، وحاجة النبي إليها، وكيف يستدل بها على صدقه، وفي معجزات كل نبي حتى إعجاز القرآن في آخر مرحلة في الوحي وختم النبوة.
2
وقد يزاد معنى ثالث على المعجزة عندما تصبح خرقا لقوانين الطبيعة وأمرا على خلاف العادة، وهنا يكون معناها ليس بالعلة الفاعلة وهو الله أو بالعلة الغائية وهي الدلالة على صدق النبي، بل بالعلة المادية؛ أي كظاهرة طبيعية على خلاف العادة، مناقضة لقوانين الطبيعة ويصاحبها التحدي؛ تحدي البشر على الإتيان بمثلها أو على معارضتها ومنع وقوعها؛ وبالتالي إعلان الإنسان عجزه عن المعارضة وعلى الإتيان بمثلها.
3
والسؤال الآن: هل يمكن خرق قوانين الطبيعة ؟ أليست سنن الكون دائمة وثابتة حتى يمكن للإنسان إدراكها وتسخيرها؟ وما فائدة التحدي مقرونا مع عدم المعارضة؟ إن التحدي لا يكون صحيحا قائما على تكافؤ الفرص إلا إذا كان مقرونا بالقدرة على المعارضة. هل عدم المعارضة فضيلة؟ وهل النموذج الأسمى لفعل الإنسان هو التسليم بالعجز والإذعان؟ أليست مأساة المسلمين اليوم في الإذعان لقوى القهر والاستسلام للطغيان وعجزهم عن المعارضة؟ ولقد تحدى الشيطان من قبل وأصبح التحدي عاملا مؤثرا في الدنيا وأصبح كل شيء مجندا، الأنبياء والرسل، والشرائع، والعقول، لمواجهة تحدي الشيطان. (ب) شروطها
ويمكن استنباط شروط المعجزة من جملة تعريفاتها السابقة؛ فمن شروطها أن تكون من فعل الله أو ما يقوم مقامه، وأن تكون خارقة للعادة دون أن يكون ذلك في مقدور النبي، وأن تتعذر معارضتها، وأن تكون ظاهرة على مدعي النبوة حتى تكون دليلا عليها، وألا يكون ما ادعاه وأظهره مكذبا لها، وإلا تكون متقدمة على الدعوى بل مقارنة لها، فالتصديق قبل الدعوى غير مقبول وأن يتم ذلك في زمن التكليف قبل زواله أو بعده أو بعد الموت، ويشترط أيضا التحدي بها أو الاكتفاء بقرينة.
صفحه نامشخص