از عقیده تا انقلاب (۴): نبوت – معاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
ژانرها
ولا يعني إنكار النبوة، نظرا لاكتفاء العقل، إنكار التوحيد؛ فالتوحيد من العقليات، فلا تعارض إذن بين توحيد الصانع وإنكار النبوة، إثباتا للعقليات دون السمعيات. يقوم التوحيد الفطري على العقل والطبيعة وليس في حاجة إلى نبوة كأحد المعارف العقلية أو الواجبات العقلية، وما دام العقل يستطيع أن يصل إلى كل ما يصل إليه الوحي في النظر والعقائد وفي العمل والشرائع، فلا حاجة إلى النبوة كنظرية في المعرفة أو كنظرية في الأخلاق. إن إنكار النبوة على الإطلاق إنما يدل على الثقة بالعقل البشري وإلى الاعتراف بالطبيعة والفطرة، فإذا كان العقل والطبيعة قادرين على هداية الإنسان، فما الحاجة إلى النبوة؟
25
وقد تقوم الاستحالة العقلية على تحسين العقل وتقبيحه؛ فما حسنه العقل يفعل وما قبحه العقل يترك، وما لم يحكم فيه العقل بحسن أو بقبح يفعل عند الحاجة، ويترك عند عدمها؛ فالعقل والطبيعة هما أساس الحكم على الأشياء، بل إن العقل قادر على الوصول إلى التكليف وإلى الواجبات العقلية، ومنها شكر المنعم والعوض عن الإيلام بلا استحقاق، مثل إيلام البهائم عند الذبح. وقد تستعمل قاعدة الحسن والقبح العقليين كحجة جدلية لإثبات استحالة النبوة عقلا؛ فإما أن يكون النبي مستدركا بالعقل أم لا، فإن كان الأول فلا فائدة من انبعاثه، وإن كان ضد العقل فلا يمكن قبوله. وقد أكمل الله العقول، وجعلها قادرة على إدراك الحسن والقبح والتمييز بينهما، وجعلها دليلا على الخالق ومرشدا لمصالح الخلق منعا للظلم ووسيلة للعلم، فلا حاجة للنبوة في وجود العقل، وإن أتت متفقة مع العقل فهي إضافة زائدة لا لزوم لها ولا غاية، وإن أتت مخالفة له فلا يمكن قبولها لما كان العقل هو الأساس.
26
واعتبار الناس محجوجة بعقولهم لا يدل على أي أثر خارجي، بل يعبر عن ضرورة داخلية في نظرية الحسن والقبح العقليين عند المعتزلة، وأن العقل أساس النقل، وأن كل ما يتوصل إليه بالسمع يمكن معرفته عقلا، حتى الشرعيات والعبادات إن لم تعرف بخواصها فإنها تعرف بغاياتها، ويستحيل أن يكون السمع أساس العقل؛ لأن الأدلة والبراهين عقلية خالصة لا سمع فيها، كما أن معرفة الحسن والقبح واردة قبل السمع، وقد أمكن إدراك التوحيد والعدل بالعقل، وهما البابان الرئيسيان في العقليات وهي الإلهيات، ويشترك في النظر جميع العاقلين بشرط الوعي، فلا يكف عن النظر إلا نائم أو مجنون أو ساه، وإن الاستشهاد على منع النظر بمن يمنع النظر لهو استشهاد على الطبيعي بالشاذ، والطبيعة تؤدي إلى النظر أكثر مما تؤدي إلى الجهل، فالطبيعة عاقلة،
27
بل إن الإنسان بعقله قادر على تحدي النبوة مثل قدرة «الشيطان» الذي طلب الاستمهال فاستمهل، ولما كانت النبوة ترتكز على العقل فلا خوف من تحدي العقل للنبوة، وإلا كان العقل يتحدى نفسه وهو البناء الذي تقوم النبوة عليه.
28
وفي كل عقل خاطران؛ خاطر للإقدام من الله، وخاطر للإحجام من «الشيطان». وللإنسان حرية الاختيار بين الخاطرين أو الباعثين. الخاطران في القلب؛ الأول يدعو للحق والثاني يدعو للباطل، ويقع التكليف بوقوع هذين الخاطرين، وإن غفلة الغافل عن الخواطر ليست نقضا للخواطر، بل نقض للغافل، كما لا يعني تعارض الخواطر الشك وتكافؤ الأدلة، بل تعني حرية الإنسان وضرورة اختياره بين الخير والشر، وأن عدم وقوعها من إنسان لا يعني أنها لا تقع ضرورة عند كل إنسان، والخاطران ليسا عقليين فحسب، بل هما في القلب باعثان يكشفان عن صراع العواطف وحياة الوجدان، ويكونان شرط الحرية والاختيار دون إلجاء، ويتفق هذان الخاطران مع الثنائية المتعارضة المعروفة في كل دين وملة بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الفضيلة والرذيلة، بين الحسنة والسيئة، وما ينتج عنها من ثنائية الجزاء في الثواب والعقاب.
29
صفحه نامشخص