از عقیده تا انقلاب (۴): نبوت – معاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
ژانرها
18
تاسعا: اليوم الآخر
وبعد علامات الساعة يبدأ اليوم الآخر، ومدته من أول الحشر حتى تنفيذ الأحكام. والحقيقة أن هذه المدة شعورية خالصة؛ فقد تطول على الكافر، وتتوسط على الفاسق، وتقصر على المؤمن حتى يكون كصلاة ركعتين. ولا يترك إلى ما لا يتناهى في الزمان؛ نظرا لأن مصير الإنسان إلى الجنة أو إلى النار. أما مكانه فهو أرض يخلقها الله ليقف فيها الخلائق. مكان ليس في مكان؛ نظرا لانتهاء الأرض. وهو تصور محض لضرورة الوقوف في مكان قياسا للغائب على الشاهد. فإذا اجتمع الزمان والمكان يكون اليوم الآخر هو يوم الجمعة في أرض الشام؛ اليوم المقدس في الأرض المقدسة. وله أسماء عدة؛ فهو اليوم الآخر لأنه آخر يوم من أيام الدنيا، وهو يوم القيامة لقيام الناس فيه من قبورهم، ووقوفهم أمام الخالق، وقيام الحجة لهم أو عليهم، وهو يوم النشور لأن الناس ينشرون فيه، وهو يوم العرض لأن الناس يعرضون فيه، وهو يوم الوقف لأن الناس يقفون فيه.
1
وفي أصل الوحي يسمى يوم الفصل ويوم الحشر ويوم القيامة واليوم الآخر. وما يحدث فيه يسمى الصافة والقارعة والطارق والصارخة؛ أي بالدلالة الصوتية للتنبيه والإنذار. كما يسمى الطامة والغاشية؛ نظرا لوقعها الثقيل على النفوس من رهبة الحساب. والحقيقة أنه يصعب التفرقة بين اليوم الآخر في الدنيا واليوم الأول في الآخرة، كما يصعب التفرقة بين علامات الساعة في الدنيا ومناظر القيامة ابتداء للآخرة؛ مما يدل على اتصال الزمان، وتغير أشكال الحياة فيه. (1) الموقف، والحوض، والقصاص
ويبدأ اليوم الآخر بأهوال الموقف، وكأن التعذيب قد بدأ، والحساب قد انتهى، والحكم قد صدر. وتتفصل أنواع التعذيب دون أنواع النعيم؛ رغبة في إيلام الذات وإيلام الآخرين، تضيقا على النفس، وزيادة في الكرب، وحملا للهموم، وإعلانا من المصائب؛ فمنها طول الوقوف والانتظار للحساب وبداية العذاب، عذاب الحشر، وطول الانتظار والجهل بالمصير، وكأن الطوابير والترقب وجهل المصير في الدنيا وفي الآخرة. يطول الانتظار، ويشتد الزحام تحت حرارة الشمس وفي عز الحر، وكأن القيظ يلاحق الناس في الدنيا والآخرة، وكأن حرارة جهنم قد بدأت تباشيرها، وامتد لهيبها. وتكون الشمس فوق الرءوس عمودية على الناس؛ حتى يشتد قيظها دون دفء الصباح أو نسمة الغروب. وكيف تكون الشمس وقد كورت من قبل كأحد علامات الساعة ودب فيها الفناء؟ وهل الفناء يكون للأرض فقط دون الشمس والقمر والنجوم؛ لأن الأرض وحدها هي المسكونة، أم يكون الفناء للمجموعة الشمسية؟ ويتصبب عرق الناس من لهيب الشمس تفوح منه رائحة نتنة، يصل العرق إلى الكعبين للبعض، وإلى الركبتين للبعض الآخر، وإلى الأحشاء عند فريق ثالث، وإلى الأذقان عند فريق رابع، كل قدر أعماله! وكيف يتم تقييم الأعمال والحساب لم يتم بعد؟ وما ذنب المؤمنين في الحشر عندما يلحقهم عرق العصاة ورائحة عرقهم النتنة والجسد ملاصق للجسد، والكتف في الكتف؟ ولا يتكلم الإنسان إلا بإذن الله. والصمت في هول الموقف عذاب مضاعف؛ لأن الزحام يولد الكلام تعبيرا عن الهول وتخفيفا للكرب، والواقف المنتظر لا حق له فيه، ولا يستثنى من ذلك إلا الأنبياء والأولياء والصلحاء. وهل يتساوى الأولياء والأنبياء؟ وهل يتساوى الصلحاء مع الأولياء؟ وكيف يتم الاستثناء في وسط الجمع الحاشد؟ وهل يتميز البعض في طوابير الانتظار كما يحدث في الدنيا عندما تحشد الدهماء والجموع، بينما يقضى للمتميزين حاجاتهم دون وقوف أو انتظار؟
2
وتخفيفا من أهوال الموقف وحرارة الشمس، يكون لكل نبي حوض يشرب منه المؤمنون، ويمنع عنه الكافرون إلا النبي «صالح»؛ فحوضه ضرع ناقته! وقد يكون حوض النبي أعرض ما دام خاتم الأنبياء تضم نبوته سائر النبوات كما يضم حوضه سائر الأحواض، ويكون أكثر ورودا. وقد يكون لخاتم الأنبياء وحده حوضه كرامة له! فإذا كانت أهوال الموقف مماثلة في قيظ الشمس عذابا قبل العذاب، فإن الحوض نعيم قبل النعيم، وكأن العذاب والنعيم قد بدآ من قبل.
3
وكيف تكون للرسول كرامة وهو بشر مثل باقي البشر، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ فإثبات الحوض قائم على إثبات الكرامة؛ فإذا ما تم إنكار الكرامة تم إنكار الحوض.
صفحه نامشخص