از عقیده تا انقلاب (۴): نبوت – معاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
ژانرها
29
وإذا كانت التوبة واجبة فلم الشفاعة؟ وإذا كانت الشفاعة واجبة فلم التوبة؟ الشفاعة على عكس التوبة؛ فالشفاعة لا تحدث تغييرا في القلوب أو الجوارح، في الأفعال الداخلية أو الأفعال الخارجية، في حين أن التوبة تحقق الهدف منها، وهو إحداث التغير الفعلي في حياة الإنسان، والاعتماد على النفس، والتعليم، وتغير الرؤية، وتحسين السلوك. الشفاعة كسب بلا جهد، وثمرة بلا غرس، وجني بلا زرع، ومعلول بلا علة، ونتيجة بلا مقدمات. تقضي الشفاعة إذن على التوبة وقدرة الإنسان على إنقاذ نفسه بنفسه، بفعله المتجدد، وتعلمه عن طريق المحاولة والخطأ. قد يركن الإنسان إلى الشفاعة ما دام يعرف النتيجة مسبقا، أو يهدف إليها قصدا، أو يتاجر بها، ويترك الجهد والتدبير والإرادة والعقل. وقد يصاغ ذلك في حجة جدلية مؤداها أن الرسول إما أن يشفع لصاحب الكبيرة وهو ما لا يجوز؛ لأنه إثابة من لا يستحق، وإما لا يشفع وهو ما يجوز؛ لأنه يقدح بإكرامه. ولما كان المكلف لا يدخل الجنة تفضلا، بل عن استحقاق، وكانت العقوبة على الدوام، فكيف يدخل المطيع الجنة أو يخرج المسيء من النار بشفاعة الرسول مع تأكيد الوحي أنه لا شفيع للظالمين؟ ففي حالة استواء الطرفين بين جواز الشفاعة وعدمها يبرز الاستحقاق ليرجع نفي الشفاعة.
30
إن الشفاعة تثير عدة إشكالات حتى لمثبتيها؛ فإذا لم يشفع الرسول لم تكن له كرامة، وإن شفع فإنه ينقض قانون الاستحقاق، خاصة إن لم تسبقها توبة. وهل الشفاعة أعلى من قانون الاستحقاق؟ أليست الشفاعة نقضا للاستحقاق؟ أليس الله قادرا على الرحمة بلا شفاعة؟ أليست الشفاعة إعطاء النبي أكثر مما يستحق من حيث كونه بشرا، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق:
قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ؟ ألا تجعل الشفاعة واسطة بين العبد والرب؛ وبالتالي يقضي على أهم خصائص الإسلام؟ إن الشفاعة تقضي على الفعل وعلى الجهد الذاتي، وتجعل الاستحقاق مجرد تفضل. وإذا كانت الشفاعة للحصول على المراتب العليا، فإنها تقوم حينئذ على الطمع من جانب المشفوع لهم، بل وعلى الدنية في الدين وعلى الشحاذة، واليد العليا خير من اليد السفلى. إن الشفاعة أقرب إلى الأخلاق اليهودية، نظرية البقية الصالحة التي لأجلها يغفر الله خطايا باقي الأمة، والتي سمحت لها بفعل ما تشاء وعصيان القانون بفضل شفاعتها لها. وهي أقرب أيضا إلى نظرية
نحن أبناء الله وأحباؤه . والعلاقة الخاصة بين العبد والرب التي لا تقوم على أساس الاستحقاق. وتشبه أيضا عقيدة حمل المسيح لآثام البشر، والتي تسمح للمؤمن أن يفعل ما يشاء ما دام المسيح سيحمل وزر أخطائه بدلا عنه، ويكفر عنه بدمه، ولا يمحوها فقط بشفاعته. وقد تصبح الشفاعة مجرد موضوع شخصي صرف، طلب الشفاعة للنفس وإنكارها على الخصوم. وإن دعاء المرجئة أن يكونوا من أهل الشفاعة هو سماح لهم بأن يكونوا من العصاة أصحاب الكبائر. ومن حق من لم يشفع لهم الغضب والتمرد ما دامت الشفاعة لا تقوم على استحقاق. ولا يمكن اتهام من ينكر الشفاعة بأنه يفعل ذلك لأنه ليس له حظ منها؛ فهذا إسقاط إثبات الشفاعة لسبب شخصي، وهو العفو عن الأخطاء والمعاصي بلا توبة وعن غير استحقاق على من يقوم بإنكارها حرصا على تجدد الفعل في الدنيا بالتوبة، وعلى نتائج الفعل في الآخرة بالاستحقاق،
31
بل إنه في إحدى الحركات الإصلاحية الحديثة لا يستشفع بالله على خلقه. فما بال الاستشفاع بالرسول على الله؟
32
وهناك أدلة نقلية معارضة على عدم جواز الشفاعة عند القدماء، أو على تعميمها في الرسول وفي غيره، في وقت الحساب وفي غيره من الأوقات؛ فدلالتها على العموم من حيث الأشخاص والأزمان، وليست على الخصوص. ولم يبق عند المعتزلة إلا العفو عن الصغائر مطلقا، وعن الكبائر بعد التوبة، والشفاعة لزيادة الثواب.
صفحه نامشخص