از عقیده تا انقلاب (5): ایمان و عمل - امامت
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
ژانرها
ولكن النموذج الذهني موجود في الديانات السابقة التي تم التعرف إليها من البيئات الدينية المجاورة؛ فظهرت عقيدة المخلص في اليهودية إبان الأسر البابلي؛ مما ساعد على خلاص اليهود ورجوعهم إلى أرض المعاد. كما ظهرت في العصر الروماني، وأدت إلى ظهور المسيح، وبعد موته ظلت الجماعة المسيحية الأولى في انتظار عودته على قمم التلال وعلى أسطح المنازل. وهذا معروف في التاريخ النفسي للجماعة الأولى باسم واقعة الانتظار
. وفي معظم الديانات التاريخية لعقيدة المخلص دور تحرري في الجماعات المضطهدة.
13
وتظل عقيدة المهدية أكبر صورة فنية للأمل في الحق بعد ضياعه، وفي الإيمان بإمكانية استرداده تعويضا في المستقبل عن هزيمة الماضي. أما فرق المعارضة الأخرى العلنية، سواء في الخارج أم في الداخل، فإنها تحقق الخلاص بالفعل بوسائل أخرى، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بالثورة على الإمام. والحقيقة أنه بالرغم من بعض الجوانب الإيجابية في عقيدة المخلص، إذ إنها تعطي أملا مستقبليا في الانتصار، وثقة فائقة بالنصر، فالحق لا بد وأن يظهر في النهاية مهما طال الانتظار، وأن العدل لا بد وأن يسود حتى ولو ملئت الدنيا ظلما وعدوانا، كما أنها تعطي طاقة قصوى على التحرر، وعلى ملء الفراغ الذي تتركه غياب الأيديولوجية. وكثيرا ما أدت العقيدة إلى ثورة بالفعل ضد المغتصب بصرف النظر عن وقوع ظلم آخر في مرحلة ما بعد التحرر. بالرغم من ذلك، للعقيدة جوانب سلبية أخرى؛ فهي تعبر في نهاية الأمر عن العجز عن التحرر في الحاضر، وتخلق عالما من الوهم على أمل خادع في المستقبل. تحول الوقائع إلى عقائد، وتحيل الموضوعية الصلبة إلى ذاتية فارغة، وتكشف عن عدم إمكانية الصمود وتقبل الصدمة، وتحليل الواقع عقلا، والرغبة في انتصار سريع حتى ولو بالتمني. كما أن انتظار الخلاص ليس القيام به بالفعل، والعيش في المستقبل تجاوزا لمآسي الحاضر تماما مثل العيش في الماضي زمن الانتصار أيام العصر الذهبي؛ فالهروب إلى الإمام تعليقا للخلاص في المستقبل مثل الهروب إلى الوراء تنعما بالنصر في الماضي وتأملا فيه. والانتظار في النهاية موقف سلبي يخالف الانتظار الذي يصاحب الإعداد لمعركة قادمة. كما تؤدي عقيدة المخلص إلى عبادة الفرد؛ فالمخلص هو فرد وليس تنظيما جماعيا. هو القائد الملهم والمخلص بلا منازع، هو البطل والرئيس والقديس والمعلم؛ مما يتطلب من الناس التسليم المطلق له والثقة العمياء فيه؛ لذلك تؤدي عقيدة المخلص إلى تأليه الفرد، وليس فقط تقبل زعامته أو تعبيره عن مطالب الجماهير. ونظرا لسلبية الجماهير، وطاعتها العمياء للمخلص، وعدم ممارسة الرقابة عليه، ينتهي الأمر إلى أن يقود الخلاص إلى استغلال الجماهير باسم الدين، أو الانقلاب عليه بمخلص آخر قد يكون ثورة مستمرة أو ثورة مضادة. وغالبا ما تكون في البداية دعوة سرية لا علنية، وفي جماعة تقوم بنيتها النفسية على سيكلوجية الاضطهاد، ويتسم فكرها بطابع الجماعة السرية المغلقة والسلوك المزدوج والتفسير الباطني للعالم. ويتم تصور قوى وهمية مشخصة تساعد المخلص، حتى ولو كانت هذه القوى المشخصة مذكورة في النصوص الدينية كصور فنية، وتعبير عن القوى النفسية والمعنوية التي يعتمد عليها أصحاب الحق المهضوم في مواجهة القوى المادية لأنصار الظلم والجبروت. (1-3) العصمة والتقية
قد يبدو بعض التناقض في هذه المفاهيم المزدوجة، مثل الخلود والرجعة، الغيبة والانتظار، العصمة والتقية؛ فكما أن الخالد لا يرجع لأنه باق إلى الأبد، فكذلك الغائب لا ينتظر لأنه لا يعود، والمعصوم لا يخشى شيئا؛ وبالتالي لا يمارس التقية. ومع ذلك ما دام الإمام فوق البشر، أسطوريا، تكون العصمة من صفاته بصرف النظر عن تطبيقها في هذا الإمام أو ذاك؛ فالعصمة رد فعل نفسي على الفتنة وتخبط الآراء. ولما كان أصوبها لم يتحقق أصبح هو الحق الضائع، ولزمت العصمة كملاذ أخير. ويصعب تحققها التاريخي في أئمة بعينهم؛ فإذا كان هناك اعتراف بإمامة الشيخين أو الخلفاء الأربعة فإنهم غير معصومين، وإذا كانت العصمة لأحد الأئمة فإنه قد أخطأ ببيعته للإمام الظالم، وإذا كان الإمام الرابع معصوما فمن الخطأ القول بكفره لأنه لم يقاتل الشيخين على حقه الذي تركه. وهل قال أحد من الخلفاء الأربعة إنه معصوم؟ وهل تمتد العصمة إليهم من الأئمة؟ وإذا امتدت، فلماذا تتوقف عليهم ولا تمتد إلى التابعين وتابعي التابعين إلى ما لا نهاية؟ وإذا كان الإمام معاقبا لبيعته للإمام الظالم، محبوسا في جبال «رضوى»، فكيف يكون معصوما وهو على هذه الحال يلقى هذا المصير؟ وإذا كان الأئمة اثني عشر، فكيف يكون المعصومون أربعة عشر؟ هناك إذن معصومون غير أئمة؛ وبالتالي لا تكون العصمة أحد أوصاف الإمام. وإذا كانت العصمة وصفا له، فكيف لا تكون وصفا ثابتا، بل توجد وتعدم، تأتي وتختفي بعد مدة معينة؟ بهذا المعنى تكون العصمة مرتبطة بالأفعال وليس بالأشخاص. وإذا كانت العصمة ممتدة إلى الخلفاء والأعوان فهي ليست خاصية فريدة للإمام، ولأمكن استغناء الإمام عنها، أو كان الخليفة أو الوالي المعصوم إماما مثل الإمام المعصوم.
14
وإذا كانت العصمة للإمام وحده، فكيف تكون لآل بيته؟ لذلك من الأفضل أن تكون العصمة مجرد وصف نظري دون تحقق عيني في التاريخ. وفي هذه الحالة لا تكفي وحدها على الإطلاق، بل تصاحبها المعجزة والنبوة وتنتهي إلى الألوهية، بل قد يعصي النبي لأن الوحي يصححه؛ وبالتالي تكون العصمة أولى بالإمام من النبي.
15
وحجج عصمة الأئمة اثنتان؛ الأولى ضرورتها للتعليم والتشريع لما كان الإمام هو المعلم والمنفذ للشريعة بصرف النظر عن نوعية العلوم، إلهية كما هو الحال في مذهب التعليم، أو عقلية لمعرفة الواجبات وتقريب الخلق إلى الطاعات، وبصرف النظر عن نوعية الوظيفة، نظرية أم عملية. والثانية حجة جدلية صرفة؛ أن كل معلم في حاجة إلى معلم، وكل إمام يحتاج إلى إمام حتى تصل إلى المعلم والإمام المعصوم. والحقيقة أن الدين واضح بين لا حاجة فيه إلى وظيفة جديدة. ويمكن عن طريق علم الأول الاجتهاد واستنباط أحكام شرعية جديدة. العصمة إذن داخلة في حدود القدرة الإنسانية على الاجتهاد في التشريع وعلى استنباط الأحكام. أما من جهة ضرورة وجود معلم أول وإمام معصوم، فيمكن أن يمثل الوحي بهذا الشأن نقطة بداية يقينية تغني عن العصمة. أما الحجج النقلية فهي قراءة للحالة النفسية في النقص وتأويل له حتى يحدث التطابق بين النص والواقع كما تشعر به جماعة الاضطهاد. وقد تثار حجة شرعية من أن الإجماع يقوم على الإمام المعصوم كأحد المجتمعين. والحقيقة أن حجة الإجماع من داخله وليست من خارجه، من التحاور وتبادل الرأي والمشورة؛ فإذا أمكن خطأ واحد فإن الآخر يقوم بالتصحيح، ولا تجتمع الأمة على ضلالة. كما أن صدق الرواية لا يعتمد على وجود إمام معصوم ضمن الرواة؛ لأن الصحة التاريخية لها شروطها في النقل المتواتر أو في ضبط الراوي وعدالته والتطابق بين السماع والحفظ والأداء إذا كان النقل آحادا. وإذا كان المعصوم علما وعملا فإن الراوي مجرد ناقل لرواية لا يتدخل فيها بعلمه أو بعمله.
16
صفحه نامشخص