از عقیده تا انقلاب (5): ایمان و عمل - امامت
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
ژانرها
وقد تثبت الإمامة بالنص مقرونا بالعقل؛ لأن العقل يقتضي أن تكون الإمامة نصا وليس اختيارا، تعيينا وليس عقدا. لا يمكن القول بالنص وحده دون تدخل العقل، إما في ضرورة وجوبه أو في إثباته أو في فهمه ومعرفة علته ومعناه. وهذه أشبه بالحجج العقلية على ثبوت الإمامة بالنص، منها: أن أمرا مهما في الدين كهذا لا يترك لاختيار الأمة، بل لا بد من النص عليه. وكأن الاختيار ليس موضعا للثقة. والنص أدعى إلى الاتفاق من الاختيار الذي يوقع الخلاف ويسبب الشحناء والبغضاء. مع أن الخلاف على تأويل النصوص ليس بأقل من الخلاف في الاختيار والعقد. كما أن الصلاح يقتضي النص على الإمام وتعيينه. وكأن الاختيار أسوأ من النص وأقل صلاحا منه، مع أن به ضمانا أكثر نظرا لأنه يقوم على الاجتهاد والاختيار الحر. وأخيرا لو جاز ثبوت الإمام بغير نص لجاز ثبوت النبي. وكأن الإمامة مثل النبوة، مع أن النبوة تبليغ للوحي، فهي قضية دين ودنيا، في حين أن الإمامة تنفيذ للوحي، فهي قضية دنيا فحسب، وليس فيها تبليغ وحي، وظيفة عملية صرفة، وليس لها أي دور معرفي مثل النبوة.
15
وإن كل الشبه التي وردت لتأسيس التعيين بالنص على العقل مردود عليها؛ أولا: إذا كان الإمام حجة ومستودعا للشرعية وقيما يحفظها ويؤديها، فإن ذلك يستدعي بالضرورة تعيينه بالنص، بل يمكن ذلك بالاختيار، فالناس أدرى بشئون دنياهم. ولكن الإمام ليس حجة الشريعة يحفظها ويؤديها، ويفسرها ويئولها، بل الإمامة وظيفة تنفيذية خالصة، يقوم بها أي إنسان قادر، ولا يعرف ذلك إلا الناس. إذا كانت الإمامة معرفة فهي معرفة بعدية وليست قبلية يتم الحصول عليها باستقرار قدرات البشر بعد الخلق، وليس تعينا قبل الخلق. هي اختيار مسئول تتحمل الأمة تبعاته. ثانيا: إذا كان الإمام يقوم بمصالح الدين فلا يجب بالضرورة أن يكون معصوما، وإن العصمة لا تعرف إلا بالنص. يلزم فقط أن يكون قويا قادرا على أداء الأمانات، والقيام بالولايات. وأول شرط لذلك هو اختيار الناس له حتى تتم الطاعة له؛ فالعصمة ليست شرطا في الإمامة لأنها تقوم على اجتهاد وإجماع، وتعتمد على النصيحة والشورى، ويراقبها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يمكن معرفة العصمة بالنص لأن العقل يرفضها، والنص يطابق العقل ويؤكده. هناك فرق إذن بين الإمامة والعصمة. إثبات الإمامة ممكن بالاختيار، في حين أن العصمة لا اختيار فيها، ولا عصمة لأحد، وتنفيذ الأحكام وتطبيق الحدود يستلزم معرفة الشريعة التي تقتضي أيضا المعرفة بأحوال الأمة، ويتدخل فيها الاجتهاد؛ لذلك توجد السلطات القضائية لمراجعة أفعال الإمام. ثالثا: لا توجد في الإمام صفة زائدة مثل العصمة أو غيرها، ولا اجتهاد فيها، ولا بد أن تكون بنص، وإلا كان هناك تكليف بما لا يطاق؛ فالصفة هي مجرد الشرط الذي يجب توافره في الإمام ضمن باقي الشروط، مثل العدل والقوة. ويمكن معرفة ذلك بالعقل والمشاهدة، بالرؤية والتجربة، كما هو الحال في تحقيق المناط عند الأصوليين، وليس في ذلك أي تكليف بما لا يطاق. رابعا: إذا كان الإمام أفضل الناس فيمكن معرفة ذلك من خلال السلوك وليس من النص؛ فالنص لا يشير إلى أشخاص بعينهم، بل إلى حالات عامة أو أنماط سلوكية مثالية تتحقق في هذا الفرد أو ذاك، وإلا فقد النص شموليته. كما يصعب الانتقال من النص إلى الشخص دون إسقاط أو تدخل هوى، وكل مفسر يرى فيمن يحب الشخص المشار إليه. تعرف الأفضلية كالشرط تجريبيا وواقعيا وليس قبليا. لا يعني الوحي الأفضل لأنه متناه والخلق لا متناه. هذا بالإضافة إلى جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل في ظروف معينة إن كان تولي الأفضل يسبب ضررا على الأمة، مثل الشقاق أو الفتنة.
16
وقد يقرن النص بالخروج، النظر بالعمل، الفكر بالواقع، الشرع بالاستحقاق، فيكون الطريق إلى ثبوت الإمامة هو النص والخروج، فإذا انطبق النص وحده على الأئمة الثلاثة الأوائل من آل البيت، فإنه لا يكفي بعد ذلك إلا مقرونا بالدعوة والخروج؛ فكل من شهر سيفه وخرج لنصرة الأمة، ونابذ الظلمة، استحق الإمامة وانقياد الناس له. وإذا كان النص قد ورد على أئمة بعينهم، فإنه يكفي الخروج لتحقيق النص والتطابق معه.
17
ويبدو في ذلك تنظير للأحداث السياسية التي أوجبت الخروج بعد الأئمة الثلاثة الأوائل من آل البيت، واستتباب الأمر للسلطة، وتحول المعارضة إلى خروج بالسيف دفاعا عن الحق ومقاومة للظلم. ومع أن الخروج على الإمام بالسيف حق إذا خان الإمام أو استسلم للأعداء أو تهاون في تطبيق الشرع أو الذب عن البيضة وبناء الثغور وتقوية الجسور، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إلا أن ذلك لا يحدث إلا بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة في الدين. كما أن الخروج ليس دعوة للذات طلبا لبيعة الناس، بل لمقاومة الإمام الظالم حتى يأتي الناس ببيعة جديدة لإمام عادل. وقد تتكاثر الأئمة إذا ما خرج الكثير على الإمام الظالم لمقاومته، فيستحيل بعد ذلك اختيار أحدهما إماما ومبايعة الناس له. قد يحدث ذلك في حال تنصيب إمامين، فيتم الخروج على أحدهما والدعوة إلى الآخر، وليس في حالة الاتفاق على إمام واحد. وقد يستعصي الحل السلمي إذا ما نظر إلى الأفضل والأزهد أولا، فإن تساويا نظر إلى الأمتن والأحزم، فإن تساويا انفلت الأمر وتحول إلى حرب بينهما، كل منهما يدعي الإمامة ويفتي ضد الآخر، لدرجة إباحة دمه واستحلال حرماته. ونظرا لغياب العقل ينتهي الأمر كله إلى التقليد.
18
والحقيقة أنه في مجتمع يقوم فيه كل شيء بالتعيين، ولا أثر فيه للاختيار الحر، تكون الإمامة فيه بالتعيين أضر، والاختيار لها أصلح، وفي مجتمع آخر يضيع فيه الاختيار، ولا تنعقد له بيعة، قد يصح فيه ضبطه بالنص وبحجة السلطة. ومع ذلك فلا يمكن إخراج أحكام من نصوص؛ إذ تأتي الأحكام من تحليل الواقع. وقد أتت النصوص من قبل نموذجا لأحكام صدرت بعد تحليل الواقع وتجربتها فيه. (1-3) الواقع التاريخي
ويتحقق التعيين بالنص في الواقع التاريخي، وكأن التاريخ يسير وفقا للنص، وليس النص تبريرا لوقائع التاريخ، وما أسهل أن يجد الحدث التاريخي له أصولا في النصوص. ولما كان الحدث التاريخي فعلا إنسانيا واختياريا إجماعيا، وكان النص الديني وحيا مدونا، فإن الحدث التاريخي يفرض نفسه على النص، ويجد نفسه مقروءا فيه. ولما كان الحدث التاريخي خاصا، والنص الديني عاما، فرض الخاص نفسه على العام، فخصص العام وطبق على الخاص. وتنازع النص اتجاهان؛ الأول: للمحافظة على عمومه خارج التاريخ كمبدأ نظري عام. والثاني: من أجل تخصيصه على حدث معين أو شخص بعينه حتى يكون تعيين الإمام بالنص. فإذا ما اختلف الخياران الإنسانيان حدث الجدال حول النص، وتحول الموقف كله إلى جدل ومحاجة لتبرير المواقف السياسية المسبقة. ويحدث ذلك إما بالشك في صحة الخبر من أجل تقويض مواقف الخصوم السياسيين، أو إعادة تأويل معناه بحيث لو ثبتت صحته يكون ضد الخصم وليس معه. ويكون أيضا بإيراد خبر مضاد في مقابل خبر الخصم حتى تتكافأ الأدلة، وإبراز معنى ضد معنى، ولا يكون أحدهما أولى من الآخر. فالأول جدل سلبي، والثاني جدل إيجابي. الأول ينزع من الخصم سلاحه ويرده إليه، والثاني يوجه إليه سلاحا جديدا.
صفحه نامشخص