از عقیده تا انقلاب (5): ایمان و عمل - امامت
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
ژانرها
25
فهل تكفي الشهادة الباطنية دون الشهادة الخارجية؟ وما الفائدة من طاقة باطنية دون تحقق خارجي؟ ويظل هذا الاختيار هو الأمثل لدى الصوفية أصحاب التجارب الباطنية دون الإعلان عنها لا بقول ولا بفعل. وإذا كانت الغاية من الطاقة هي تحويلها إلى حركة فإن بقاءها في المعرفة والتصديق دون القول والفعل لهو كتمان لها، ثم تفريغها تدريجيا حتى تفرغ الذات ويبقى الواقع كما هو بلا تغيير. (2-5) هل الإيمان معرفة وإقرار دون تصديق وعمل؟
وقد يستبقى بعدان، وهما الإيمان والمعرفة، ويستبعد بعدان هما التصديق والعمل.
26
وفي هذه الحالة يكون الإيمان مجرد معرفة نظرية تتخارج في القول، من الذهن إلى اللسان، من العقل إلى الشفتين، معرفة رياضية منطقية لغوية دون أن تتحول إلى تصديق؛ أي إلى تجربة معيشة وبرهان وجداني، ودون أن تتحقق في فعل بالجهد والمعاناة والمقاومة؛ فالمعرفة لا تتضمن التصديق؛ أي استحالة تعيين مضمون في النفس أو في الواقع. قد يعلم الإنسان تحريم الخمر، ولا يعلم هذا اللحم بالذات هل هو لحم خنزير أم لا؛ ويعلم الصلاة إلى الكعبة كفرض، ولكنه لا يعلم هل هذا الاتجاه هو الكعبة أم لا؛ وقد يعلم أن الرسول محمد، ولكنه لا يعلم هل هو هذا العربي أم الزنجي! فما الفائدة إذن من المعرفة بلا برهان وبلا تعيين؟ وما فائدة الإقرار حينئذ. صحيح أن التطابق مع الواقع ليس مقياسا للحقيقة، ولكن التطابق مع النفس ومع التجربة يجعل للمعنى واقعا، وللفكر مضمونا، وإلا أدى عدم التعيين إلى فصل الفكر عن الواقع، وعزلة الشعور عنه، وإخراجه من الزمان والمكان، والاكتفاء بالعمومية والصورية الفارغة. إن تعيين التوحيد والعدل لا يكون في أشخاص أو وقائع، ومع ذلك فإن التصديق بهما هو شرط تحويل هذين الأصلين العقليين إلى بنية اجتماعية وإلى مجتمع يقوم على المساواة والعدل. وحتى لو كان في العقل واجب مبدئي، فإن ذلك لا يغني عن التصديق؛ أي وجود هذا الواجب في التجربة البشرية، فلا يكون فقط واجبا عقليا، بل رسالة إنسانية. والخضوع ليس بعدا من أبعاد الشعور، ولكنه نتيجة للمعرفة والقول، وأقل من التصديق والعمل، مجرد تمثل للمعرفة واستسلام لها. ولكن قد تؤدي المعرفة أيضا إلى الثورة والغضب والتمرد، وليس بالضرورة إلى الخضوع؛ فالخضوع للفكر قد يعني التمرد على الواقع. والمحبة بالقلب مثل الخضوع نتيجة طبيعية للمعرفة وقبل التصديق. والمعرفة بالقلب أقل من التصديق؛ فالقلب هنا لا يعني إلا الذهن أو العقل، ولكنه لا يعني التحقق من صدق المعرفة بتطابقها مع الدلالة في الشعور. وإن اللجوء إلى الخضوع مرة وإلى المحبة مرة أخرى يجعل المعرفة أقرب إلى الطريق الصوفي؛ مما سهل بعد ذلك ازدواج الأشعرية بالتصوف منذ القرن الخامس حتى قبيل الحركات الإصلاحية الأخيرة. ومع ذلك فإنه على هذا النحو يقترب الشعور من التعين والخصوصية وإتيان الأفعال، وعدم الاقتصار على شمول المعرفة وعمومية الإقرار. وقد يخرج الشعور أيضا من المعرفة والإقرار الباردين إلى محبة الأولياء وكراهية الأعداء، أو تحليل ما أحله الله وتحريم ما حرم الله، وهو وسط بين التصديق والفعل، أكثر من التصديق، وأقل من الفعل. وقد تكون المعرفة دون الإقرار إيمانا، والإقرار دون معرفة إسلاما، واجتماع المعرفة والإقرار هو اجتماع الإيمان والإسلام. ومع ذلك يظل التصديق والعمل أقرب إلى الإحسان. وإذا كان الإيمان قد أصبح المعرفة والإقرار، أي الداخل والخارج، فأسهل أن يكتمل ويصبح التصديق والعمل؛ فالمعرفة والتصديق جانبان لشيء واحد، وهو التحقق بالكلمة وبالفعل. وإذا كان القول أحد أنماط السلوك، فإن العمل المباشر أيضا تعبير عن التصديق بالفعل. وعلى هذا النحو يتحقق الداخل ببعديه في الخارج بأفقيه، وتكتمل وحدة النظر سواء كان معرفة أو تصديقا، وفي العمل سواء كان إقرارا أو عملا. (2-6) هل الإيمان معرفة وعمل دون تصديق وإقرار؟
وإذا تم إثبات البعدين؛ الأول وهو المعرفة، والأخير وهو العمل؛ واستبعاد البعدين الأوسطين، الثاني وهو التصديق، والثالث وهو الإقرار؛ فهل يمكن أن تتحقق المعرفة والعمل دون تصديق وإقرار؟ ليس الإيمان فكرا فقط يتحول إلى عمل فقط؛ لأن الفكر بناء شعوري، والقول أحد مظاهر السلوك؛ فإذا كان الشعور في حالة من الفكر والعمل فإنه يكون شعورا آليا يعطي أساسا نظريا، ويتجه تلقائيا إلى العمل المباشر دون أساس وجداني ودون إعلان بالقول. وإذا تخارجت المعرفة في العمل، فلماذا لا يتخارج التصديق في القول؟ وأيهما أفضل؛ أن تتحقق المعرفة مباشرة في العمل، فيكون الإنسان أشبه بالحاسب الآلي الذي يعرف ويقرر، أم أن تكون المعرفة شعورية، وأن يتم الإعلان عن العمل بالكلمة كمن يبارز منشدا ، ويحارب شاعرا؟ إذا كانت بالمعرفة والعمل برودة الآلة، فإن بالتصديق والإقرار حرارة الشعر.
27 (2-7) هل الإيمان معرفة وتصديق وإقرار دون عمل؟
في العلاقات الثلاثية إذا تم إبقاء الأبعاد الثلاثة الأولى واستبعاد الرابع، يصبح الإيمان معرفة وتصديقا وإقرارا دون عمل، فهل هذا ممكن؟ إذا ثبتت المعرفة كنظر وتجربة باطنية، كاستدلال ويقين داخلي، ثم تخارجت في القول والإعلان، فما المانع أن تتخارج بالفعل وتتحقق في الممارسة؟ إن مثل هذا الموقف قد يشابه موقف المثقف المتأزم العاجز عن الإتيان بأي فعل بالرغم من معرفته ووجدانه وقوله وكلمته. وهل يكفي الشاعر شعره، والأديب روايته وقصته، دون ممارسة كل منهما لصدقه الفني في قيادته لأمته ونضاله في سبيلها؟ وإذا كانت المعرفة بالقلب، أي معرفة وتصديق، وتخارج الطاقة في الكلمة، فالكلمة ما هي إلا مقدمة للفعل و«خرطوشة» طلقة، وصوت قذيفة.
28
صحيح أن اجتماع المعرفة والتصديق والإقرار يمنع الكذب من النفس، ولكنه لا يمنع الفسق والعصيان إذا ما عارض الفعل المعرفة أو التصديق أو الإقرار. وكيف يقول المسلم شيئا ويفعل نقيضه؟ وإذا فعل الشيخ ذلك فإنه ينطبق عليه كثير من الأمثال العامية التي تشير إلى هذه الثنائية في هزء وسخرية. وإذا كانت المعرفة صادقة مرة بتحولها إلى تجربة ثانية، وقد بلغت قوة صدقها إلى أن تحولت كلمة، فإن وقوعها قبل الفعل عجز لا مبرر له، إلا نقص في التصديق العملي، وحصار لامتداد الكلمة في الواقع. إن اجتماع أبعاد الشعور الثلاثة الأولى، المعرفة والتصديق والإقرار، يمنع النفاق، وهو القول بلا تصديق، كما يمنع الجبن وهو المعرفة بلا إقرار، ويمنع عدم الالتزام وهو المعرفة بلا تصديق. ومع ذلك فإنه يمنع من الفعل المباشر، ويحاصر الشعور، ويجعل الإنسان شاعرا غير مناضل. فإذا كان الكفر ضد الإيمان، أي معرفة بمعرفة، فإنه ضد الفسق أيضا، أي دون إسقاط العمل. وإذا كان جحد الله بالقلب فقط كفرا وليس باللسان، فإن لبس الإيمان بظلم هو إسقاط العمل منه. وإذا كان الكفر يزيد وينقص، وكذلك الجزاء، فإن ذلك ليس فقط بسبب المعرفة، ولكن أيضا لتفاضل الأعمال. وإذا كان الكافر يكون كذلك لتركه المعرفة أو التصديق والإقرار، فالأولى أن يكون ذلك بتركه الأعمال. وإذا كان بعض الإيمان إيمانا، فالأولى أن يكون العمل بعض الإيمان، وليس المعرفة أو الإقرار أو التصديق. وإذا كان السكوت عن الحق كفرا، والجهل كفرا، والنفاق كفرا، فالأولى أن يكون الفسوق، أي إخراج العمل عن الإيمان، كفرا. وإذا كان الكفر جحدا بالقلب، أو معرفة لا يحصل عليها الجميع، أو إقرارا لا يقدر عليه الكل، فالأولى أن يكون ترك العمل الذي يقدر عليه عامة الناس كفرا. ولم يكفر إبليس لأنه لم يعرف، لأنه كان عارفا بربه؛ ولأنه لم يقر، لأنه أقر؛ ولأنه لم يصدق فقط، بل كفر لأنه لم يعمل، ولم ينفذ إرادة الله. إن الجزاء في الآخرة ليس فقط على المعرفة والتصديق والقول، بل على العمل، وعلى العمل وحده، حتى ولو كانت المعرفة والتصديق بها والإعلان عنها معرفة مخالفة للإيمان. يبطل الإيمان إذا سقطت الأعمال، وتتفاضل التصديقات بتفاضل الأعمال. وإن الشعر بالرغم من جمعه بين المعرفة والتصديق والقول إلا أن الشعر المقرون بالعمل هو كمال له، وإلا كان الشعر مجرد غواية وخيال.
صفحه نامشخص