از عقیده تا انقلاب (5): ایمان و عمل - امامت
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
ژانرها
32
وهل يمكن رصد كل العلماء حتى يوم الدين حتى يكون الحكم بالفضل جامعا مانعا شاملا صادقا، وإلا كان مبتسرا على علماء قرن أو قرنين؟ في كل الأحوال تنتهي الإمامة بأحكام العلماء والأئمة؛ أي في الإمامة العلمية لا السياسية. قد يغلب أحيانا أئمة الفقه، تصنيف دقيق للعلم والعلماء، ولكن يكشف عن ازدواج الأشعرية بالتصوف، وارتباط الفقه بالحديث، وظهور علوم النحو والبلاغة؛ وبالتالي مزج العلوم النقلية مثل الفقه والحديث بالعلوم النقلية العقلية مثل الكلام والتصوف، وظهور بعض العلوم الإنسانية كالنحو والبلاغة. لا تذكر علوم القرآن والتفسير والسيرة ضمن العلوم النقلية، ولا تذكر أيضا علوم الجغرافيا والتاريخ ضمن العلوم الإنسانية. أما العلوم العقلية الخالصة الرياضية والطبية فتختفي تماما؛ ربما لأن بعض هذه العلوم لم يكن قد ظهر أو انتظم بعد، وربما لأن العلوم المذكورة أقرب إلى العلوم النقلية في مجموعها من العلوم العقلية. ويذكر ترتيب السلطة، ويختفي علماء الفرقة الضالة، أي تراث المعارضة، ويضرب حوله مؤامرة الضعف والنسيان.
33
وفي عرض كل عام تظهر غايتان؛ الأولى: تاريخية؛ أي ترتيب العلماء طبقا للطبقات والعصور، فهذا أولهم من المتكلمين، وهذا أولهم من الفقهاء وأئمة الحديث. وهو تاريخ مذاهب ؛ أي من وجهة نظر الفرقة الناجية وحدها فرقة السلطة في مقابل الفرقة الضالة، وهي فرق المعارضة بكل صنوفها، العلنية منها والسرية، الداخلية منها والخارجية. وتذكر أسماء العلماء وعناوين مصنفاتهم. والغاية الثانية: مذهبية عقائدية لنقد عقائد الفرق المخالفة وتفنيد مذاهبها، وكلها أحكام قيمة من وجهة نظر السلطة القائمة التي تعتبر نفسها الفرقة الناجية؛ فيستعمل سلاح الألقاب، فالمعارضة إما قدرية تنكر القدر، أو خارجية تخرج على الإمام، أو غلاة روافض تتطرف وترفض. وتذكر أقوالها بلفظ «زعم» أو «ادعى»، في حين أن الفرقة الناجية أهل السنة والاستقامة أو أهل الحق أو أصحاب الحديث أو الجمهور؛ أي الغالبية في مقابل الأقلية. كما تذكر أسماء المصنفات في الرد على الفرق المخالفة، والفتاوى من فقهاء السلطان بتحليل دمائهم! وينتزع منها أية شرعية في العقائد، وينكر عليها انتسابها إلى الإمام الرابع أو إلى الصحابة حتى تبدو خارجية أو هامشية أو دخيلة أو منحرفة. والغاية من هذا التاريخ كله هو تشويه الخصوم السياسيين حتى يسهل بعد ذلك عزلهم عن الناس، والتخفيف من آثارهم على الحياة العامة باستعمال سلاح التكفير والتضليل. والاعتماد على آراء الفقهاء وأئمة الحديث وسلطتهم في نقد الخصوم من المتكلمين يهدف أساسا إلى العامة الذين في تصورهم أن الفقهاء على حق والمتكلمين على باطل؛ فإذا ما تصدى الفقهاء المتكلمون من الفرقة الناجية إلى متكلمي الفرق الضالة فإن الحق يتصدى للباطل! كما يضم إلى الفقهاء بعض الصوفية والأدباء والشعراء لما لهم من ثقة عند الناس؛ وبالتالي يشتد الحصار حول الخصوم العقلانيين العنيدين صعبي الفهم والكلام. وإن حددت المناظرات في مجلس السلطان لتدل على استعمال السلطة لفقهائها ضد الخصوم، وأن السلطة السياسية هي الحكم الفصل في خصومات المتكلمين؛ فالعقائد تدور في اللعبة السياسية، والخلاف بين المذاهب إنما يدور حول كرسي الحكم، ويحرسه عسكر السلطان. ويبرز فقيه السلطان الأول ومؤسس مذهب السلطة وزعيم الفرقة الناجية على أنه هو الحق والسلطة والدين، وأن الأمة كلها تابعة له، وأن كل من دونه خارج عليه. وتلاميذه هم القضاة الذين يفصلون بين الحق والباطل، ويحكمون في منازعات الخصوم. وما داموا قد حكموا بتضليل الفرق المخالفة، فإنهم لا يخطئون. وإذا كانوا يحكمون في المناطق النائية حتى الحدود والثغور، فالأولى أن تؤخذ أحكامهم في المناطق القريبة وفي المدائن في قلب البلاد. وإذا كان من تلاميذه كبار المفسرين والمؤرخين، فالأولى بالتتلمذ عليه والسماع إليه عامة الناس.
34
ومن ترتيب أئمة الفقه يظهر مجموع الفقهاء على عقائد الفرقة الناجية، فرقة السلطة، ابتداء من العشرة المبشرين بالجنة والفقهاء الأربعة الذين أجمعوا جميعا على رأي السلطة؛ فالعشرة لهم الآخرة، والأربعة لهم الحكم في الدنيا؛ وبالتالي تكون عقائد السلطة قد فازت بالدنيا والآخرة في آن واحد. وإذا حدث خلاف بين الأربعة اختلفت الأمة، وإذا حدث اتفاق بينهم اتفقت الأمة. وما دامت الأمة قد أجمعت على عقائد الفرقة الناجية وتكفير الفرق الضالة، فعلى هذا النحو تكون الأمة. فإذا ما حدث خلاف بين الفقهاء فإنه لا يكون في أصول الكلام، بل في فروع الفقه؛ وبالتالي لا يحدث خرق للإجماع على عقائد الفرقة الناجية. فإذا ما حدث خلاف في أصول العقائد، فإنه لا يحدث في العقليات، بل في السمعيات، مثل الإيمان هل هو مجرد إقرار ومعرفة أم يصحبه تصديق وعمل، أو في موضوع من العقليات يتم التفويض فيه والتسليم بعجز العقل عن معرفة كنه الأشياء. وقد انتصر الفقهاء لعقيدة الفرقة الناجية، وأبطلوا قول الخصوم في الاستطاعة وخلق الأفعال حتى يتم استسلام الناس لقوى خارجية عنهم يصعب بعد ذلك معرفة أيها من الله وأيها من السلطان. وأكبر الخصوم مراسا هي المعارضة العقلية العلنية الداخلية التي تتطلب المواجهة بالحجة علنا وأمام الناس؛ فالإجماع مع الفرقة الناجية، والتفرق والخروج والاختلاف مع الفرق الضالة. وإن حكم أئمة الفقه، وهم الأصحاب، في أهل الأهواء هو عدم جواز الصلاة خلفهم ورد شهادتهم لأنهم زنادقة!
35
وفي ترتيب أئمة الحديث والإسناد يظهر علماء الفرقة الناجية على أنهم حملة العلم ونقلة الرواية، فيوثق بهم على أساس أنهم ورثة الأنبياء. وهم أصحاب التصانيف والتآليف في الرد على أهل الأهواء، وهم أهل الجرح والتعديل والثقات العدول؛ وبالتالي تقبل شهادتهم، ويتم التسليم بأحكامهم ضد المدلسين الضعفاء، أهل الأهواء.
36
أما ترتيب أئمة التصوف والإشارة، فهم في مجملهم ما يزيد على الألف، وليس من بينهم أهل الأهواء إلا ثلاثة؛ حلولي واتحادي، وهو ما لا تقبله العامة، ومعتزلي طرده الصوفية من بينهم كما يطرد الطيب الخبث! ولما كان الصوفية أئمة العامة والمسيطرين عليهم في الطرقات والزوايا، فإن كلامهم مسموع ورأيهم صائب. وهم أهل التصوف والإشارة الذين يفهمون ما لا يفهمه غيرهم؛ وبالتالي كانت الثقة بهم أعظم لعلومهم الدينية التي لا يجوز الاعتراض عليها.
صفحه نامشخص