از عقیده تا انقلاب (3): عدالت
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
ژانرها
217
والحرية هي المسئولية الفردية والجماعية عن الفساد والصلاح في العالم بلا ذريعة للتهرب منها أو اتهام للذات وتبرئة للآخر حتى يعم الاستحقاق.
218 (3) تجربة الحرية
مع أن القول بخلق الإنسان لأفعاله أي بالحرية قد ظهر تاريخيا بعد عقيدة الجبر وقبل نظرية الكسب ، إلا أنه فكريا هو البديل للجبر والكسب على السواء، لما كان الجبر يجمعهما معا، كانت حرية الأفعال هي الطرف المقابل للجبر والمتربص به، وظلت كذلك حتى بعد ظهور الكسب الذي لم تر فيه الحرية إلا صورة معدلة للجبر.
219
وهي نهاية المطاف في وصف أفعال الشعور الخارجية من عقيدة الجبر إلى نظرية الكسب إلى تجربة الحرية. ولا يقف أمام الشعور فيها أي عائق يمنعه من أن يكون خالق أفعاله مسئولا عنها حتى يصح الاستحقاق في أصل العدل. ويتأكد إثبات الحرية حتى يتأكد إثبات الذات وحين يستطيع الإنسان التخلص من أنماط الفكر الإلهي، وحين تتقدم الحضارة وتؤدي دورها في التعقيل والتنظير؛ فإثبات الإنسان خالقا لأفعاله أزهر أنماط التعقيل وأعلى ما وصلت إليه الحضارة من تقدم وفعل الزمن. يصبح الإنسان فاعلا على الحقيقة لا مجرد ستار أو قناع يتخفى وراءه فاعل آخر هو الفاعل على الحقيقة، ولا يكون الإنسان إلا فاعلا بالمجاز.
220
وهكذا يبدو أن الحضارة قد مرت بثلاث مراحل في الدورة الأولى لها. أولا: بداية خروج حرية الأفعال من داخل الفكر التقليدي في إجماع الأمة الأول على أنه لا خالق إلا الله. ثانيا: استقلال حرية الأفعال عن الفكر التقليدي وبداية الصراع الفكري. ثالثا: عزل استقلال الأفعال واعتباره خارجا عن إجماع الأمة وسيادة الأغلبية. وفي بداية الدورة الثانية للحضارة منذ الإصلاح الأخير يخرج خلق الأفعال من جديد من بطن الإجماع تحقيقا لصالح الأغلبية الصامتة ضد الأغلبية القديمة التي أصبحت على مدى التاريخ الأقلية الحاكمة. (3-1) الحرية الإنسانية
الحرية ليست مقولة طبيعية، بل تعبير إنساني خالص. وإذا كان هناك جبر في الطبيعة سواء في الطبيعة الحية أو في الطبيعة الصامتة، فإن الإنسان هو ميدان الحرية. وقد يتجاوز الفعل الإنساني الحر القادر جبر الطبيعة ويخضع الطبيعة له ويسخر قوانينها لصالحه ويعدل مسارها طبقا لغاياته. ويبدو أن الحرية الإنسانية تتضمن الحتمية في الطبيعة، في حين أن الجبر يكون في أفعال البشر وحدها بفعل القضاء والقدر، ويترك أفعال الطبيعة حرة بخرق قوانينها الثابتة وسننها المطردة بفعل تدخل الإرادة الخارجية. ويؤكد ذلك معظم حركات الإصلاح إذا بعثت حرية الأفعال في الإنسان ظهرت الحتمية في قوانين الطبيعة، وإذا ظهرت جبرية الأفعال في الإنسان ظهر اللاتحدد في قوانين الطبيعة. وكانت معظم حركات التجديد والإصلاح التي تحولت بعد ذلك إلى نهضة شاملة دون أن تكبو وتنكص على عقبيها من النمط الأول، حرية في الأفعال وحتمية في الطبيعة.
والأفعال الإنسانية لها جانبان، جانب حر من حيث العقل والتروي والقصد والباعث والغاية، وجانب طبيعي من حيث إنها تتحقق في موقف تتشابك فيه أفعال أخرى وتقع فيه موانع وتتصارع فيه إرادات. فأفعال الحيوانات من «تدبير» الحيوانات ذاتها ولكنها ليست أفعالا لأنها ينقصها الروية والتدبر والعقل والغاية. هي أفعال بدنية آلية تقوم على بناء العضو وعلى غرائز الكائن الحي: المحافظة على الحياة، التغذي، النمو، التوليد، الحركة ... إلخ. لذلك امحى التكليف والمسئولية واستحقاق المدح والذم. بل كانت الحيوانات لنفع الإنسان.
صفحه نامشخص