إلكترا
أياس
أنتيجونا
أويديپوس ملكا
إلكترا
أياس
أنتيجونا
أويديپوس ملكا
من الأدب التمثيلي اليوناني
من الأدب التمثيلي اليوناني
صفحه نامشخص
تأليف
سوفوكليس
ترجمة
طه حسين
إلكترا
الأشخاص
أورستيس بن أجامنون.
بولاديس صديق أورستيس.
مربي أورستيس.
إلكترا بنت أجامنون.
صفحه نامشخص
كروسوتيميس بنت أجامنون.
كلوتيمنسترا زوج أجامنون.
إيجستوس عشيق كلوتيمنسترا.
والجوقة مؤلفة من بنات مدينة موكنيا.
تقع القصة أمام قصر الملك في موكنيا، وتبدأ مطلع الفجر الذي يمحو ظلمة الليل شيئا فشيئا. ***
عاد أجامنون من حرب طروادة ظافرا منتصرا، فأتمرت به زوجه كلوتيمنسترا وعشيقها إيجستوس وقتلاه في حفل أقيم لاستقباله في عقر بيته وأمام النار المقدسة، وتمكنت ابنته إلكترا من إنقاذ أخيها الطفل أورستيس فهرب به مربيه، وما زال يتعهده ويعنى بصباه وشبابه حتى بلغ أشده وعاد ليثأر لأبيه.
المربي :
يابن أجامنون الذي قاد اليونان إلى طروادة تستطيع اليوم أن تنظر أمامك لترى هذه الأماكن ذات الصوت البعيد، التي كنت دائما شديد الحرص على أن تراها، هذه مدينة أرجوس القديمة التي طالما أسفت على فراقها، وهذا هو المكان المقدس الموقوف على ابنة أيناكوس
1
التي لدغتها الذبابة، وهذا يا أورستيس هو الميدان المقدس الموقوف على الإله قاتل الذئاب،
صفحه نامشخص
2
وهذا عن شمالك المعبد الشهير الموقوف على هيرا،
3
وفي هذا المكان الذي انتهينا إليه ترى مدينة موكنيا يقوم فيه هذا القصر الذي قتل فيه البوليبيون،
4
في هذا المكان تلقتيك قديما حين قتل أبوك، أسلمتك إلى تلك التي يجري دمك في عروقها، أختك. أخذتك وأنقذتك. وربيتك حتى انتهيت إلى هذه السن، وبلغت رشدك وأصبحت قادرا على أن تعود فتثأر لأبيك. والآن يا أورستيس والآن يا بولاديس، يا أعز الأصدقاء علينا أشيرا ماذا نصنع؟ يجب أن نحزم أمرنا في أسرع وقت ممكن، هذا الضوء الساطع الذي ترسله الشمس يملأ الجو بأصوات الصباح التي تبعثها الطير، وقد انقضى الليل بما فيه من ذلك الضوء المظلم الذي كانت ترسله النجوم، أديرا إذن أمركما قبل أن يخرج خارج من القصر، فقد بلغنا وقتا لا يجوز فيه التردد، بلغنا وقت العمل.
أورستيس :
أي أعز الخدم علي، ما أكثر ما تظهر من الحب لي والرفق بي، إنما مثلك مثل الجواد الأصيل الذي لا تذهب السن مهما تقدمت بشجاعته وقت الخطر، وإنما هو مصيخ بأذنيه دائما، كذلك أنت تشجعنا وتحمسنا وتشاركنا في الإقدام، سأعلن إليك ما دبرت فأصغ إلي في عناية وإن أخطأت فردني إلى الصواب، لقد ذهبت أستخير الوحي وأستشيره كيف أثأر من قاتل أبي؟ فأجابني أپولون بهذا الجواب الذي ستسمعه: امض وحدك في غير سلاح وفي غير جيش، وأنفذ في فجاءة ومكر هذا الموت المشروع الذي كتب على يديك إنفاذه.
ما دام هذا أمر أپولون فانفذ أنت إلى القصر متى استطعت وتعرف كل ما يجري فيه لتنبئنا به في وضوح، ولست أخشى أن يعرفك أحد بعد ما غيرتك السن المتقدمة وتوج الشيب رأسك بالبياض، لن يشك في شخصك أحد، أنبئ أهل القصر أنك غريب من أهل فوكيس قد جئت إليهم رسولا من قبل فانيتيوس، فإنه من أكبر حلفائهم. وأنبئهم - مقسما - أن أورستيس قد قضى نحبه في مصادفة خطرة، سقط عن عجلته في الألعاب الرياضية التي تقام لأپولون؛ كذلك يجب أن تكون قصتك.
فأما نحن فسننفذ أمر الآلهة، وسنبدأ فنتوج قبر أبي بما نقدم إليه من قربان وبما نضع عليه من خصل شعري، ثم نعود إلى هذا المكان وقد حملنا تلك العلبة من النحاس التي أخفيتها في غضون الأعشاب، كما تعلم، وكذلك نخدعهم فنحمل إليهم هذا النبأ السار بأن جسمي لا وجود له، قد حرق واستحال رمادا، وماذا عسى أن يسوءني أن يظن بي الموت ما دمت حيا في حقيقة الأمر وما دمت ساعيا إلى المجد!
صفحه نامشخص
لست أرى أن في الكلام ما يدعو إلى الطيرة ما دام النفع محققا من ورائه، وكثيرا ما رأيت الحكماء من الناس يموتون في اللفظ والأحاديث، فإذا عادوا إلى أوطانهم لم يزدهم ذلك إلا شرفا، ومن أجل هذا تملأني الثقة بأني بفضل هذا الحديث الكاذب سأحيا حياة قوية وسيسطع نجمي بين أعدائي.
أي أرض آبائي، أي آلهة وطني، تلقوني لقاء حسنا واجعلوا لسفري غاية سعيدة، واصنع بي مثل ذلك يا قصر آبائي، فإني إنما جئت من أجلك باسم العدل المطهر، أرسلني إليك الآلهة، لا تطرحوني مهينا بعيدا عن هذه البلاد، بل أتيحوا لي أن أسترد ثروتي وأشيد مجد أسرتي، هذا ما كنت أريد أن أقول، فامض أيها الشيخ للعناية بما وكل إليك، أما نحن فماضيان فهذا هو الوقت الملائم الذي يقضي في أمور الناس كلها. (تسمع إلكترا من داخل القصر: وا حسرتاه ... ما أشد شقائي.)
المربي :
يخيل إلي يا بني أني أسمع خادما تعول من وراء هذا الباب.
أورستيس :
أتراها الشقية إلكترا؟ أتأذن في أن نبقى لنسمع ما تبعث من الشكوى؟
المربي :
كلا، لنبدأ بإنفاذ أمر الآلهة، لنبدأ بهذا، امض فقرب إلى قبر أبيك فهذا هو الذي سيتيح لنا النصر والفوز. (يخرجون وتدخل إلكترا.)
إلكترا :
أي ضوء النهار النقي، أيها الفضاء الواسع من الهواء يحيط بالأرض، كم سمعتماني أبعث الصراخ المحزن والعويل المؤلم، وأضرب بيدي صدري الدامي حين تنجلي ظلمة الليل، وكم رآني سريري ترويه دموعي أثناء الليل في هذا المنزل النكد، أبكي ما أعد القضاء لهذا الأب الشقي الذي أعفاه أريس هذا الإله السفاح في ميدان القتال، وغالته أمي يعينها عشيقها إيجستوس، فقضت عليه بفأس دام كما ينحي الحاطب في الغابة على شجرة البلوط، أنا وحدي يا أبتاه في هذا المكان أئن لموتك، هذا الموت الشنيع الوحشي! على أني لن أضع حدا لما أبعث من أنين، ولا لما أسكب من دموع، ما رأيت نجوم الليل تجري في أفلاكها وضوء النهار يلمع في آفاق السماء، سيتردد صدى آلامي أمام قصر أبي كشكاة فيلوميلا لم تنقطع منذ حرمت أطفالها.
صفحه نامشخص
أي مقام يرسفونيه وأديس، أي هرمس السفلي، وأنتن يا بنات الآلهة، أيها الموكلات بتعذيب الأشقياء، أيتها الآلهة المخوفة آلهة اللعن والسخط، ألقوا أعينكم على هذه الضحايا التي سفكت دماؤها مع هذه القسوة، انظروا إلى هذه الجريمة المشتركة مصدرها الحب الفاجر، أقبلوا أعينونا اثأروا لموت أب شقي. ابعثوا إلى أخي فلن أستطيع منذ اليوم أن أحمل وحدي ثقل هذه الآلام التي تنوء بي. (تقبل الجوقة مؤلفة من خمس عشرة من بنات موكنيا.)
الجوقة (في بطء) :
أي إلكترا يابنة الأم الشقية، ما هذا الأنين الذي لا يرضي والذي تدفعينه في غير انقطاع على ذلك الذي أخذته أمك الخائنة في شراك آثمة على أجامنون الذي أسلم لذراع رجل جبان؟ يهلك مقترف هذا الإثم إن كان لي أن أجهر بما أتمنى.
إلكترا (في سرعة) :
أي بنات الأشراف، لقد أقبلتن لتعنني على آلامي، أعلم ذلك، أفهمه أراه في وضوح، ومع ذلك فلن ينقطع أنيني على أبي البائس، إنكن لتظهرن لي من ودكن آيات بينات، فخلين بيني وبين جنون الحزن، وا حسرتاه إني لأتمنى عليكن هذا.
الجوقة (في بطء) :
ولكنك لن تستطيعي بالبكاء ولا بالأنين أن تستردي أباك من يد الموت، هذا الزوج الذي ينتظرنا جميعا، إنك حين تتجاوزين الحد وتسلمين نفسك إلى ألم لا شفاء له تهلكين بهذا العويل الذي لا ينقضي، والذي لا تجدين فيه خلاصا من بؤسك ما يرغبك في الألم.
إلكترا (في سرعة) :
إن من الحمق والجنون أن ننسى ما ألم بآبائنا من موت يمزق القلوب ... كلا لن أنساه، وإنما يعجبني هذا الطائر الشاكي الذي أرسله زوس ليبكي على أتييس وعلى أتييس دائما، أيتها التعسة نيوبيه إني لأومن بألوهيتك ما دمت تسفحين دمعك حتى من هذا الصخر الذي أصبح لك قبرا.
الجوقة (في بطء) :
صفحه نامشخص
لست وحدك بين الناس الفتاة التي خصت بالألم يابنتي، إنك لتخالفين بما تظهرين من جزع قوما آخرين يشاركونك في الدم والأصل.
انظري كيف تعيش أختاك كريسوتيميس وإيفانسا وذاك السعيد في شبابه بنجوة من الألم، ذاك الذي ستستقبله أرض موكنيا ذات يوم وقد امتاز بالشرف والنبل، ذلك الذي سيقوده زوس إلى هذه البلاد أورستيس.
إلكترا (في حدة) :
ذاك الذي أنتظره دون أن يملني الانتظار، أنتظره وحيدة شقية لا ولد لي ولا زوج، هائمة دائما مبللة الوجه بالدموع مثقلة بآلام لا تنقضي، وهو ينسى عطفي عليه ورسائلي إليه، أي نبأ يبلغني عنه ثم لا تكذبه الأحداث، إنه يتمنى دائما أن يعود، ولكنه على هذا التمني لا يحاول شيئا.
الجوقة (في بطء) :
تشجعي يابنتي تشجعي، إن زوس لقوي في السماء، وإنه ليرى كل شيء ويدبر كل شيء، بثيه غضبك الأليم ولا تظهري الحقد على من تبغضين، ولا تنسي مع ذلك ما قدموا إليك من إساءة، إن الزمن لإله عطوف، وإن ابن أجامنون ليعيش على ساحل كريسا حيث ترعى السائمة دون أن ينساك كما أن إله الموتى لا ينساك.
إلكترا (في حدة) :
ولكني أنفقت أكثر حياتي في اليأس حتى لم تبق لي قوة على الاحتمال، إني لأسرع إلى الفناء وليس لي من عطف الأبوين ما يخفف من لوعتي، لا صديق ينهض لمواساتي، إنما أنا كغريبة لا حق لها ولا حرمة، إنما أنا خادم في قصر أبي أسعى في ثياب رثة، وأظل قائمة حول المائدة التي لا يحضرها صاحبها.
الجوقة (في حزن وبطء) :
لقد كانت عودة فاجعة تلك التي عادها أبوك إلى سرير العيد حين دفع صيحته الهائلة، حين صبت عليه ضربة الفأس، لقد أشارت بها الخيانة وأنفذها الحب، لقد بذرا من قبل بذر الجريمة التي حققها إله أو إنسان.
صفحه نامشخص
إلكترا (في صوت حاد مضطرب متقطع) :
يا لك من يوم قد كان أبغض وأشنع ما شهدت من الأيام، يا لك من ليلة ملأها النكر، يا لك من عيد بغيض قد ملأه البؤس والشقاء، لقد رأى أبي ذلك الموت المخذي الذي حملته إليه يدان مشتركتان في الإثم، لقد حطمتا حياتي، لقد خانتاني، لقد أضاعتاني، لتنتقم الآلهة من هذين القاتلين، لتصب عليهما العذاب، لتصرف عنهما الفرح والنعمة بعدما اقترفا من الإثم.
الجوقة (في حزن وبطء) :
احذري أن يسمع صوتك، ألا ترين إلى أي حال بلغت، وفي أي هوة قذف بك؟ لقد جمعت لنفسك شقاء إلى شقاء، ولقد جرت عليك صلابتك آلاما جديدة، إنك لتعاندين من هو أشد منك قوة، وما هذا من الرشد في شيء.
إلكترا :
نعم، أعلم أن حالي شديدة السوء، وأعلم مقدار شدتي وصلابتي، ولكني على رغم هذا كله لن أقصر عما أنا فيه من استنزال السخط واللعنة على المجرمين ما تنفست، ومن ذا الذي - أيتها الصديقات العزيزات - يرى هذا القلب، يشعر بما أنا فيه ثم يحاول تعزيتي؟ دعن لا تحاولن هذا العزاء، لن يكون لسخطي حد، وسيكون أنيني أبديا خالدا كآلامي.
الجوقة :
ولكن قلبي وحده هو الذي يعزيك، كما يفعل قلب الأم الحنون، احذري أن تستتبع شكاتك هذه شكاة جديدة.
إلكترا :
وأي حد أستطيع أن أضع لما أنا فيه من يأس وقنوط؟ كيف أستطيع من غير أن أنسى من حرمنيه الموت؟ أي الناس اتخذوا لأنفسهم هذه السيرة؟ لو أن بين الناس من يسلك هذا المسلك فأنا أود أن لا أنزل من قلوبهم منزل الرضى والكرامة، كما أني أود أن يدفعني ويذودني كل محب للخير إن أنا كفكفت في قلبي غلواء هذه العواطف الشريفة، عواطف الألم يبقيها الحرص على تشريف الموتى، ألا فليهلك أبد الدهر بين الناس الرشد والتقوى إذا كان حظ من فارق الحياة أن يبقى مهملا منسيا كأنه تراب غير حساس، وإذا لم يلق المجرمون جزاء ما اقترفوا من إثم.
صفحه نامشخص
الجوقة :
ولكن منفعتك ومنفعتي يابنتي هما اللتان جاءتا بي إلى هذا المكان، كأن كنت مخطئة فيما وجهت إليك من نصح فلتكن لك الكلمة، ونحن لما ترين مذعنات.
إلكترا :
يخجلني أيتها الصديقات العزيزات أن أسترسل أمامكن في هذا الألم الذي لا حد له، ولكن عاطفة أشد مني قوة تقهرني على ذلك فلا تلمنني فيه، وأي ابنة وفية تسلك مسلكا آخر بعد هذه النازلة التي نزلت بأبي والتي لا يزيدها مر النهار وكر الليل إلا قوة، فهي لا ينمحي منظرها أمام عيني، بل يتمثل من حين إلى حين فظيعا مروعا، أليست أمي التي منحتني الحياة قد أصبحت أشد الناس لي عداء؟ ألم أصر من سوء الحال إلى حيث أعيش في قصري مع الذين قتلوا أبي وقضوا عليه بالموت؟ أنا لهم خاضعة، منهم وحدهم أنتظر ما ينالني من خير وشر.
أي حياة تظنين أني أستطيع أن أحيا حين أرى إيجستوس يجلس على عرش أبي ويلبس ثيابه ويقوم بالواجبات الدينية للآلهة في المقام الذي قتله فيه! وحين أرى هذا المجرم الآثم يقاسم أمي المجرمة سرير أبي - إن استطعت أن أسمي أما تلك التي ترتاح إلى صدر شريكها في الإثم؟ إلى أي حد من الجرأة يجب أن تكون هذه المرأة قد وصلت حتى يتصل الحب بينها وبين هذا المجرم الفاجر؟ إنها لتسخر من انتقام الآلهة وكأنها تعجب بما اقترفت، فإذا أقبل اليوم الذي خدعت فيه أبي وقتلته من كل شهر أقامت حفلات الرقص وقدمت إلى الآلهة الحفظة الضحايا والقرابين، وأنا الشقية أبكي وأنتحب لهذه المناظر، وأفني قواي وحيدة، أئن لهذا المقصف الوحشي الذي سموه مقصف أجامنون.
ولو أني استطعت أن أسترسل كما أشاء إلى هذه الراحة الحلوة راحة سكب الدموع! ولكني لا أكاد أفعل حتى أسمع هذه المرأة التي لا حظ لها من كبر النفس إلا في ألفاظها تنحى علي باللوم وتثقلني مسبة وازدراء، تدعوني موضع بغضها ومرمى انتقامها السماوي، وتسألني: أأنت الوحيدة التي فقدت أباها؟ ألم يشعر غيرك من الناس ألما ولا حزنا؟ ليهلكنك اليأس ولا أرقأت آلهة الجحيم عبراتك، كذلكن يتناولني لسانها بالمسبة، ولكنها لا تكاد تسمع بقرب عودة أورستيس حتى تفقد رشدها ولا تملك من صوابها شيئا تبحث عني وتصيح بي: إذا فهذا ما أعددت لي! هذا عملك أنت التي وضعت أورستيس بنجوة من سلطاني حين أخفيته! ثقي بأنك ستلقين على ذلك عقابا عدلا.
ويصحب هذه الكلمات صراخ وعجيج وإلى جانبها عشيقها يزيد غيظها حدة والتهابا، هذا الجبان هذا المجرم الذي ملأ يديه دعارة وفجورا، هذا الذي لا يحسن الحرب إلا مع النساء وأنا أنتظر أورستيس يستنقذني من كل هذه الإهانة وأموت منتظرة! ما زال يؤخر عودته حتى قضى على ما أؤمل وما أملت، في هذه الحال التي وصلت إليها لا أستطيع أن أحتفظ بقصد ولا تقوى، فإن الشر إذا بلغ أقصاه اضطرنا إلى أن نذعن له ونسترسل فيه.
رئيسة الجوقة :
أنبئيني ... أتظنين أن إجستوس قريب منك بحيث يسمع ما تقولين؟ أترينه خرج من مستقره؟
إلكترا :
صفحه نامشخص
لقد خرج ... لا تظني أني كنت أستطيع أن أتجاوز باب القصر لو أنه كان فيه ... لقد ذهب إلى الحقل.
رئيسة الجوقة :
إذن فسأحدثك مطمئنة آمنة.
إلكترا :
سلي عما تريدين ما دمت واثقة بغيبته.
رئيسة الجوقة :
سأسألك إذن ... ما خطب أخيك ... نبئيني أعائد هو؟! أترينه يؤخر عودته فوق ما أخرها؟
إلكترا :
إنه يعلن إلي عودته، ولكنه برغم ذلك لا يعود.
رئيسة الجوقة :
صفحه نامشخص
ذلك لأن من حاول شيئا ذا خطر مضطر إلى أن يتردد.
إلكترا :
ومع ذلك فإني أنا قد أنقذته في غير تردد.
رئيسة الجوقة :
تشجعي فإنما يقوم ذو النجدة على معونة ذويه.
إلكترا :
أنا واثقة به، ولولا ذلك لما حييت إلى الآن.
رئيسة الجوقة :
لا تنطقي بكلمة فإني أرى تلك التي تشاركك في الدم لأبيك وأمك خارجة من القصر، أختك كريسوتميس، وهي تحمل في يديها بعض ما يقدم إلى الموتى من القربان. (تدخل كروسوتيميس.)
كروسوتيميس :
صفحه نامشخص
ما هذه الصيحات التي أقبلت تدفعينها يا أختاه قريبا من باب البهو؟ ما بالك لا تتعلمين على مر الزمن أن عداوتك لا غناء فيها، وأنك تخطئين حين تستسلمين لها، نعم إني لأعرف شيئا وهو أني ضيقة أشد الضيق بهذه الحياة التي أحياها، ولو أن لي فضلا من قوة لأظهرتهما على ما أضمر لهما من البغض، ولكني مضطرة في هذا الشقاء إلى أن أجري السفينة وقد طويت شراعها، وألا أخدع نفسي فأزعم أني أسوءهما على حين أني لا أصيبهما بشيء.
هذه سيرة تخالف سيرتك أشد الخلاف، وكم أود لو تذهبين مذهبي، نعم إن العدل لا يقرني على ما أقول، بل هو يلائم حكمك وسيرتك، ومع ذلك فإذا حرصت على ألا أفقد حريتي كلها فلا بد من الإذعان لسادتنا.
إلكترا :
ما أحقر ما تصنعين يا بنة أجامنون حين تنسين أباك ولا تفكرين إلا في أمك، كل ما تقدمين إلي من نصح قد تلقيته عنها، فأنت مقلدة لا تصدرين عن رأيك في شيء مما تقولين، إحدى اثنتين : فإما أن تكوني قد فقدت الرشد، وإما أن تكوني قد نسيت أهلك، ألم تقولي إنك لو استطعت لأظهرت بغضك لعدونا، ومع ذلك فإني أصنع كل ما أستطيع لأثأر لأبينا فلا أظفر منك بمعونة ما، وإنما أراك تحاولين ردي عما أريد، ألست تضيفين جبنك إلى شقائنا، أنبئيني؟ بل سأنبئك أنا بما سأفيده إن كففت عن إعلان الشكاة، إن شكاتي تسوءهما، وهي لذلك تسر الميت إن كان له أن يذوق بعض اللذة في قبره.
أما أنت التي تبغضينهما أشد البغض فلست تصنعين ذلك إلا في القول، فأما الحق الذي لا شك فيه فهو أنك تظاهرين اللذين قتلا أباك، أما أنا فلو أنهما منحاني ما تستمتعين به من امتياز فلن أستسلم لهما، استمتعي بمائدة مترفة وبحياة يملؤها الرغد من حولك، أما أنا فحسبي أن أكره قلبي على ما لا يريد، لا حاجة بي إلى ما تنعمين به ولو عرفت القصد لذهبت مذهبي، لقد كنت تستطيعين أن تنتمي إلى أجامنون أعظم الرجال شهرة وأبعدهم صوتا، فانتمي الآن إلى أمك، وكذلك يظهر جبنك للناس جميعا بعد أن خنت أباك ميتا وتخليت عن أصدقائك.
رئيسة الجوقة :
لا تصطنعي الغضب فيما تقولين بحق الآلهة، إن فيما تقولان لنفعا لكما جميعا، لو أن كلا منكما استمعت لرأي صاحبتها.
5
كروسوتيميس :
أما أنا فأعرف لغتها أيتها النساء، وما كنت لأنطق بكلمة لولا أني عرفت أن شرا عظيما يدنو منها، ويوشك أن يضع لشكاتها حدا.
صفحه نامشخص
إلكترا :
أعلنيه إلي هذا الشر العظيم فإنك إن تظهريني على شقاء أعظم مما أنا فيه لم يبلغك مني لوم.
كروسوتيميس :
سأظهرك إذن على كل ما أعرف، لقد أزمعا إن أنت لم تكفي عن هذا العويل أن يرسلاك إلى مكان لا ترين فيه ضوء الشمس، ستحيين بعيدا عن هذه الأرض في سجن مظلم، وهناك تستطيعين أن تندبي شقاءك، فكري إذن ولا تلوميني إن نزل بك المكروه، لقد آن لك أن تثوبي إلى الاعتدال.
إلكترا :
أهذا هو ما أزمعا أن يصنعا بي؟
كروسوتيميس :
نعم متى عاد إجستوس إلى القصر.
إلكترا :
ليعد إذن في أسرع وقت ممكن.
صفحه نامشخص
كروسوتيميس :
بأي كلام تنطقين؟
إلكترا :
ليعد إجستوس إن كانا قد أزمعا ما تقولين.
كروسوتيميس :
ماذا تأملين من هذا؟ أمجنونة أنت؟
إلكترا :
آمل أن أبعد عنكم إلى أقصى آماد البعد.
كروسوتيميس :
أتنسين حياتك الحاضرة إذن؟
صفحه نامشخص
إلكترا :
إنها لحياة رائعة خليقة بالإعجاب.
كروسوتيميس :
إنها تستطيع أن تكون رائعة لو أنك تؤثرين الاعتدال.
إلكترا :
لا تعلميني خيانة الأصدقاء.
كروسوتيميس :
لا أعلمك هذا، وإنما أعلمك طاعة المتسلطين.
إلكترا :
اصطنعي أنت هذا التملق فإنه ليس من خلقي.
صفحه نامشخص
كروسوتيميس :
ومع ذلك فمن حقنا ألا نلقي بأيدينا إلى التهلكة.
إلكترا :
لنهلك - إذا لم يكن من ذلك بد - في سبيل الثأر لأبي.
كروسوتيميس :
أنا أعلم أن أبانا سيعفو لي عما أصنع.
إلكترا :
هذا كلام يقره الجبناء وحدهم.
كروسوتيميس :
ألا تريدين أن تسمعي لي وأن تقبلي نصحي؟
صفحه نامشخص
إلكترا :
كلا ليعصمني الآلهة من أن يبلغ الجنون بي هذا الحد.
كروسوتيميس :
لأذهب إذن إلى حيث كلفت الذهاب.
إلكترا :
إلى أين تذهبين أو إلى من تحملين هذا القربان.
كروسوتيميس :
لقد أرسلتني أمي لأهدي القربان إلى قبر أبي.
إلكترا :
ماذا تقولين؟ إلى أبغض الناس إليها.
صفحه نامشخص
كروسوتيميس :
إلى الذي قتلته بيدها فهذا هو الذي تريدين أن تقوليه.
إلكترا :
أي أصدقائها نصح لها بذلك؟ من ذا الذي أشار عليها به؟
كروسوتيميس :
أظن أن مصدر ذلك خوف طرقها بليل.
إلكترا :
أي آباؤنا الآلهة، كونوا معنا آخر الأمر.
كروسوتيميس :
أي ثقة يذيعها في نفسك ما أحست من خوف.
صفحه نامشخص
إلكترا :
أنبئيني بما رأت أنبئك بما أرى.
كروسوتيميس :
لا أعرف شيئا وما أقل ما أستطيع أن أنبئك به.
إلكترا :
قولي ما عندك فرب قليل دفع إلى الشجاعة أو رد إلى الضعف.
كروسوتيميس :
يقال إنها رأت أبانا قد صعد إلى الضوء وأقبل عليها، وإنه أخذ الصولجان الذي كان يحمله قديما والذي يحمله الآن إجستوس فغرسه في الموقد المقدس، وإن غصنا قويا نشأ من هذا الصولجان فأظل أرض موكنيا كلها. هذا ما قصه من سمعها تنبئ به اليوس،
6
ولست أعلم أكثر منه إلا أنها ترسلني أحمل القربان يدفعها إلى ذلك الخوف، فأنا أضرع إليك بحق الآلهة، آلهة أسرتنا أن تسمعي لنصحي، لا تهلكي نفسك بتجنب الحذر، واعلمي أنك إن تدفعيني فسيردك الشقاء إلي.
صفحه نامشخص
إلكترا :
أيها الأخت العزيزة لا تضعي على القبر شيئا مما تحملين في يديك، فإنك تجرمين إن حملت إلى أبينا هذا القربان الذي ترسله إليه امرأة هي أشد الناس له عداء، أرسلي ذلك في الهواء خبئيه في أعماق الأرض لا يصل شيء منه إلى قبر أبينا، بل ليدخر ذلك لها حين يدركها الموت؛ فإنها لو لم تكن أقل الناس حظا من حياء لما أرسلت هذا القربان ليوضع على قبر من صرعته.
فكري ... أتظنين أن الميت في قبره يتقبل مسرورا هدية هذه التي قتلته ثم ضمت أعضاءه إليه كما يفعل العدو بالعدو، ثم أرادت أن تطهر نفسها فمسحت ما علق بها من الدم برأس فريستها؟ أتظنين أن ما تحملين من القربان يحط عنها جرم القتل؟ كلا لا سبيل إلى ذلك، دعي إذن هذا القربان ... قصي أطراف شعرك وخذي أطراف شعري أنا الشقية ... هذا قليل ولكن لا أملك شيئا آخر.
قربي إلى أبينا شعري أنا العائذة به ونطاقي الذي لا حلية فيه، ثم اطلبي إليه راكعة أن يقبل علينا من أعمال الأرض ليعيننا على أعدائنا، وأن يقبل ابنه أورستيس قويا عزيزا تملؤه الحياة فينقض على خصميه انقضاضا، وإذن نستطيع في مستقبل الأيام أن نتوج قبره بأيد أكرم مما هي الآن، أعتقد، نعم أعتقد أنه هو الذي أرسل إلى كلوتيمنسترا هذا الحلم البشع، ومهما يكن من شيء فأعينيني أيتها الأخت على الانتقام، على الانتقام لك، على الانتقام لي، على الانتقام لأعز الناس علينا، ذاك الذي ينام في دار الموتى.
رئيسة الجوقة :
إن الوفاء هو الذي أنطق الفتاة بما قالت، فإن كنت حازمة أيتها الصديقة فاستمعي لما تقول.
كروسوتيميس :
سأفعل، إن الحق لا يحتمل الحوار، الحوار بين اثنين، وإنما يدفعهما إلى العمل، ومع ذلك فلا تنطقن بكلمة أثناء إنفاذي لما أزمعن بحق الآلهة أيتها الصديقات ؛ فإن أمي إن تعرف ما أنا مقدمة عليه كلفنا ذلك ثمنا غاليا. (تخرج)
الجوقة (في صوت ثابت) :
إذا لم أكن كاهنة مجنونة، إذا لم يكن عقلي قد ضل عني، فلا بد من أن تأتي هذه التي أرسلت إلينا هذا النبأ، العدالة، في يدها القوة الصارمة ستبدأ انتقامها يا ابنتي عما قليل، إني لأشعر بالثقة تشيع في نفسي حين أسمع كما سمعت آنفا أنباء هذه الأحلام المواتية، فإن أباك ملك اليونان لا ينسى شيئا، كما أن ذلك السلاح النحاسي ذا الحدين لا ينسى شيئا أيضا، ذلك السلاح الذي مزقه حين انصب عليه في صورة مخزية، ستقدم ساعية على ألف قدم ولها ألف ذراع تلك التي تستخفي في مكامن هائلة، أرنيس
صفحه نامشخص