مر على الأولمب فترة كان خبر الشوق الخالق فيه حديث الآلهة، ومر على بعل مرقد ولبنانة عهد نشوة ومرح يعجز الوصف.
ولكن المأساة، مأساة الألم والشقاء، كانت قد بدأت ساعة صار الحجر إنسانا ولم يستطع أن يصير إلها.
لم يهون على لبنانة حب بعل ولا الأعراس التي أقيمت لها، وضجت بها مشارق الدنيا ومغاربها.
ولا روح عنها أن الغوالي المخبآت في أقاصي السماء، في مقاصير الشمس ومغاني القمر، كانت تسفح كل يوم على قدميها.
ولا أسلاها وأنساها أن الأنغام كانت ترتفع بالتسابيح لها كلما أطل وجهها السني على الدنيا.
ولا قلل من همها أن الإلهات كن يحسدنها، ويتمنين أن يحتللن من قلب بعل الجميل بعض مكانها فيه.
فقد كانت لبنانة تشعر في أعماقها أن ذل الحجر ما يزال عالقا بها، يشدها إلى الأرض حين تريد أن ترتفع، وأنها سجينة هذا الشكل الرائع المحسود لا تستطيع براحا ولا انفلاتا، ولا هي تعرف هل تظل هي إياها، ولا ما سيكون مصير ما تستشعر بذاتها من عقل وإحساس وشوق ولذة وألم إذا ما قدرت على الانعتاق.
وكانت تعرف أن بقاءها موقوف على أنها تأكل وتشرب وتنام، وتعرف أن لا حاجة للإلهات من أجل البقاء إلى النوم ولا إلى الطعام ولا إلى الشراب، وأنهن إنما يأكلن ويشربن وينمن، متعة منهن ولذة، وأنهن لا يخفن لوافح البرد ولا لواذع الحر.
وتعرف أنها لا تعرف كيف تأتيها هذه المعرفة.
وكانت، بسبب ذلك كله، شقية تتساءل: أهي اليوم أفضل حالا، أم كانت أفضل حالا قبل أن يحركها الشوق، يوم هي حجر لا يعقل ولا يحس، ولا ينعم ولا يشقى، ولا يفكر بمصير، ولا يدرك أنه موجود؟
صفحه نامشخص