ثناء العلماء على الإمام الشافعي
ثناء العلماء عليه: قال الحافظ أبو نعيم: ومنهم الإمام الكامل العالم العامل، ذو الشرف المنيف، والخلق الظريف، له السخاء والكرم، وهو الضياء في الظلم، أوضح المشكلات، وأفصح عن المعضلات، المنتشر علمه شرقًا وغربًا، المستفيض مذهبه برًا وبحرًا، المتبع للسنن والآثار، المقتدي بما اجتمع عليه المهاجرون والأنصار.
اقتبس عن الأئمة الأخيار فحدث عنه الأئمة الأحبار، الحجازي المطلبي أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ﵁ وأرضاه، حاز المرتبة العالية، وفاز بالمنقبة السامية، إذ المناقب والمراتب يستحقها من له الدين والحسب، وقد ظفر الشافعي بهما جميعًا.
شرف العلم والعمل به، وشرف الحسب قربه من رسول الله ﷺ، فشرفه في العلم ما خصه الله من تصرفه في وجوه العلم، وتبسطه في فنون الحكم، فاستنبط خفيات المعاني، وشرح بفهم الأصول والمباني، ونال ذلك بما يخص الله تعالى به قريشًا من نبل الرأي.
وروى الخطيب بسنده إلى إسحاق بن راهويه قال: أخذ أحمد بن حنبل بيدي وقال: تعال حتى أذهب بك إلى من لم تر عيناك مثله، فذهب به إلى الشافعي.
فالإمام الشافعي يعتبر شيخ الإمام أحمد.
وبسنده أيضًا إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: يا أبت أي شيء كان الشافعي فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ فقال: يا بني الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، انظر هل لهذين من خلف أو منهما عوض؟ وعن أيوب بن سويد قال: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي.
وقال صالح بن أحمد بن حنبل: ركب الشافعي حماره فجعل أبي يمشي والشافعي راكب وهو يذاكره، فبلغ ذلك يحيى بن معين فبعث إلى أبي في ذلك؛ فبعث إليه الإمام أحمد فقال: إنك لو كنت في الجانب الآخر من الحمار كان خيرًا لك.
وعن حميد بن زنجويه قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول وهو يروي الحديث عن النبي ﷺ: (إن الله يمن على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي يبين لهم أمر دينهم)، وإني نظرت في سنة مائة فإذا رجل من آل رسول الله ﷺ وهو عمر بن عبد العزيز -توفي سنة (١٠١هـ) - ونظرت في المائة الثانية فإذا هو رجل من آل رسول الله ﷺ محمد بن إدريس، توفي سنة (٢٠٤هـ).
وعن محمد بن الفضل البزار قال: سمعت أبي يقول: حججت مع أحمد بن حنبل فنزلنا عند أحد الناس بمكة، وخرج أبو عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل - باكرًا وخرجت أنا معه، فلما صلينا الصبح بدأت المجالس، فجئت مجلس سفيان بن عيينة، وكنت أبحث مجلسًا مجلسًا طلبًا لـ أبي عبد الله حتى وجدته عند شاب أعرابي وعليه ثياب مصبوغة وعلى رأسه جمة فزاحمته حتى قعدت عند أحمد بن حنبل.
فقلت: يا أبا عبد الله! تركت ابن عيينة وعنده الزهري يعني: محمد بن مسلم بن شهاب وعمرو بن دينار وزياد بن علاقة ومن التابعين ما الله بهم عليم؟ فقال: اسكت فإن فاتك حديث بعلو تجده بنزول فلا يضرك في دينك ولا في عقلك أو فقهك، وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف ألا تجده إلى يوم القيامة، ما رأيت أحدًا أفقه في كتاب الله تعالى من هذا الفتى القرشي، قلت: من هذا؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي.
وعن سويد بن سعيد قال: كنا عند سفيان بن عيينة فجاء محمد بن إدريس فجلس، فروى ابن عيينة حديثًا رقيقًا فغشي على الشافعي فقيل: يا أبا محمد مات محمد بن إدريس، فقال ابن عيينة: إن كان قد مات محمد بن إدريس فقد مات أفضل أهل زمانه.
قال الرازي ﵀: إن ثناء العلماء على الإمام الشافعي أكثر من أن يحيط به الحصر، ونحن نذكر السبب في محبتهم له وثنائهم عليه، فنقول: الناس كلهم كانوا قبل زمان الشافعي فريقين: أصحاب الحديث وأصحاب الرأي، أما أصحاب الحديث فكانوا حافظين لأخبار رسول الله ﷺ إلا أنهم كانوا عاجزين عن النظر والجدل، وكلما أورد عليهم أصحاب الرأي سؤالًا أو إشكالًا بقوا على ما في أيديهم عاجزين متحيرين.
وأما أصحاب الرأي فكانوا أصحاب الجدل والنظر إلا أنهم كانوا فارغين من معرفة الآثار والسنن، وهي مدرسة الكوفة، وأما الشافعي فإنه كان عارفًا بسنة النبي صلى الل
2 / 4