شبهاته. وإذا كانت الشبهات محصورة في سبع، عادت كبار البدع والضلالات إلى سبع. ولا يجوز أن تعدو شبهات فرق الزيغ والكفر والضلال هذه الشبهات وإن اختلفت العبارات، وتباينت الطرق، فإنها بالنسبة إلى أنواع الضلالات كالبذور، وترجع جملتها إلى إنكار الأمر بعد الاعتراف بالحق، وإلى الجنوح١ إلى الهوى في مقابلة النص.
هذا، ومن جادل نوحا، وهودا، وصالحا، وإبراهيم، ولوطا، وشعيبا، وموسى، وعيسى، ومحمدا؛ صلوات الله عليهم أجمعين، كلهم نسجوا على منوال اللعين الأول في إظهار شبهاته. وحاصلها يرجع إلى دفع التكليف عن أنفسهم، وجحد أصحاب الشرائع والتكاليف بأسرهم، إذ لا فرق بين قولهم ﴿أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ ٢ وبين قوله: ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ ٣ وعن هذا صار مفصل الخلاف، ومحز٤ الافتراق ما هو في قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ ٥ فبين أن المانع من الإيمان هو هذا المعنى، كما قال المتقدم في الأول: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ ٦ وقال المتأخر من ذريته كما قال المتقدم: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾ ٧ وكذلك لو تعقبنا أقوال المتقدمين منهم لوجدناها مطابقة لأقوال المتأخرين ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ ٨ ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ ٩.
_________
١ الجنوح: الميل والإقبال.
٢ التغابن آية ٦.
٣ الإسراء آية ٦٠.
٤ محز: أصل الحز القطع، والمحز آلة القطع.
٥ الإسراء آية ٩٤.
٦ الأعراف آية ١٢.
٧ الزخرف آية ٥٢.
٨ البقرة آية ١١٨.
٩ يونس آية ٧٤.
1 / 17