129

وفي عهد علي عليه السلام للأشتر: (ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كلا منهم ما ألزم نفسه). رواه في النهج، وكفى به دليلا على الفائدة.

وكان يقال: قضاء حق المحسن أدب للمسيء، وعقوبة المسيء جزاء للمحسن، وقال الشاعر:

نبئت عمرا غير شاكر نعمتي .... والكفر مخبثة لنفس المنعم

وقال الصبابي: إذا لم يكن للمحسن ما يرفعه وللمسيء ما يضعه زهد المحسن في الإحسان، واستمر المسيء على الطغيان.

قالوا: لا يؤمن أن يعاقب على الشكر لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه.

قلنا: بناء على أصل فاسد وهو منع الحكم العقلي؛ إذ التجويز على إثباته منتف لأن الشاكر محسن، ومعاقبة المحسن قبيحة عقلا.

وما استندتم إليه من التصرف في ملك الغير مبني على ذلك الأساس المنهار؛ إذ الإذن قد حصل بما ركب في العقول من حسن ما تعرى عن وجوه القبح.

الوجه الثاني: إنه لو وجب لكان كالاستهزاء؛ لأن ما أنعم الله به علينا من النعم حقير بالنظر إلى سعة ملكه، وإنما نسبتها إلى سعة ملكه كنسبة لقمة تصدق بها أحد ملوك الدنيا على محتاج إلى جملة ممالكه.

ومعلوم أن المتحدث بتلك اللقمة لا يعد شاكرا، بل مستهزئا ساخرا، فكذلك شكر الباري تعالى على نعمه الواصلة إلينا، فثبت أن العقل يقضي بعدم وجوبه.

الجواب: أولا: أنه يلزمكم قبحه وهو خلاف دعواكم كما تقدم، ولا أظنكم تخالفون في حسنه بالمعنى الذي أثبتموه.

صفحه ۱۲۹