كل من نطق عنه لا به، ونفى عنه كل أمر مشتبه وحصره (سبحانه) في مدركه ومشربه فهو أبكم ساكت وجاهل مباهت، حتى يرى به كل ضد في نفس ضده بل عينه مع تميزه بين حقيقته وبينه، وحدته نفس كثرته وبساطته عن تركيبه وظهوره نفس بطونه وآخريته عين أوليته، لا ينحصر في المفهوم من الوحدة أو الوجود، ولا ينضبط بشاهد ولا مشهود، بل له ان يكون كما قال، ويظهر كما يريد دون الحصر في الاطلاق وفي التقييد، إذ له المعنى المحيط بكل حرف، والكمال المستوعب كل وصف، كل ما خفي عن المحجوبين حسنه مما توهم فيه شين أو نقص فإنه متى كشف له عن ساقه بحيث يدرك صحة انضيافه إليه تعالى الفى فيه صورة الكمال ورأى أنه منصة لتجلى الجلال والجمال.
سائر الأسماء والصفات عنده متكثرة في عين وحدة هي عينه، لا يتنزه عما هو ثابت له ولا يحتجب عما أبداه ليكمله، وحجابه وعزته وغناه وقدسه عبارة عن امتياز حقيقته عن كل شئ يضادها وعن عدم تعلقه بشئ وعن عدم احتياجه في ثبوت وجوده له وبقائه إلى شئ لا تحقق لشئ بنفسه ولا بشئ الا به (تعالى) فانتبه.
فانيته تعالى لا تدركها من هذه الحيثية العقول والأفكار ولا تحويه الجهات والأقطار، ولا يحيط بمشاهدته ومعرفته البصائر والابصار، منزه عن القيود الصورية والمعنوية، مقدس عن قبول كل تقدير متعلق بكمية أو كيفية، متعال عن الاحاطات الحدسية والفهمية والظنية والعلمية، فهو محتجب بكمال عزته عن جميع بريته، الكامل منهم والناقص، والمقبل إليه في زعمه والناكص، جميع تنزيهات العقول من حيث أفكارها ومن حيث بصائرها احكام سلبية لا يفيد معرفة حقيقته، وهى مع ذلك دون ما يقتضيه جلاله ويستحقه قدسه وكماله، ومنشأ تعلق علمه بالعالم من عين علمه بنفسه.
وظهور هذا التعلق بظهور نسب علمه التي هي معلوماته، وانه عالم بما لا يتناهى من
صفحه ۲۳