يكفي لتوجه العقلاء إلى عظمة هذا الرجل واستقامته على ما عرفه من الحق ووصل إليه من الحقيقة.
وإذا لاحظنا عصر المؤلف واستفحال الانحراف عن أهل البيت فيه، وتكالب الناس على الدنيا وتقربهم إلى أرباب السلطة من ظلمة بني العباس يتجلى لنا سمو مقام المؤلف وأنه من نوادر الدهر حيث آثر الحق والحقيقة على الدنيا وحظوظها ولم يجنح إلى أهل الدنيا والزخارف الدنيوية، ولم يركن إلى أرباب السلطة والذين استولوا على العباد والبلاد ظلما وزورا ونهبوا ثروة الناس وهضموا حقوق الضعفاء والمساكين، وقتلوا وحبسوا وشردوا المعترفين بالحق والصواب.
وإذا تأملنا بالدقة حال أكثر المشايخ والأدباء وأصناف العلماء في حال عصر المصنف وتلونهم في دينهم وجعلهم الدين والتظاهر به وسيلة للتقرب إلى الظلمة والطواغيت ينكشف لنا علو نفسية المؤلف.
ومن أراد أن يعرف جليا رفعة شخصية المصنف وجلالته من باب تعرف الأشياء بأضدادها وأشكالها يكفيه ملاحظة تكالب أكثر معاصري المؤلف على الدنيا وخسة نزعتهم وتوغلهم في اللؤم والدناءة، واتباعهم خطوات الشياطين.
وليلاحظ حال ممسوخ آل عثمان عمرو بن بحر الجاحظ من معاصري المصنف فإنه لتوغله في إشباع غرائزه الشهوانية وأمنياته الشيطانية، وتقربه إلى فراعنة عصره وتراكضه في ميادين الضلالة مرة يصنف كتاب العثمانية ومسائلها، وأخرى يكتب كتابا في إمامة المروانية والشجرة الملعونة في القرآن.
وتارة يؤلف كتابا في إمامة ولد العباس، وهلم جرا حول تأليفه في المتناقضات وانتصارة للمتباينات (1).
صفحه ۷